فصل: الخبر عن أحواله وأحوال عمرانه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة

وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها وما لذلك من العلل والأسباب اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال‏.‏ ولما كان الكذب متطرقاً للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه‏.‏ فمنها التشيعات للأراء والمذاهب فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الإنتقاد والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله‏.‏ ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضاً الثقة بالناقلين وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح‏.‏ ومنها الذهول عن المقاصد فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه فيقع في الكذب‏.‏ ومنها توهم الصدق وهو كثير وإنما يجيء في الأكثر من جهة الثقة بالناقلين‏.‏ ومنها الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع لأجل ما يداخلها من التلبيس والتصنع فينقلها المخبر كما رأها وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه‏.‏ ومنها تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلة والمراتب بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك فتستفيض الأخبار بها على غير حقيقة فالنفوس مولعة بحب الثناء والناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل ولا متنافسين في أهلها‏.‏ ومن الأسباب المقتضية له أيضاً وهي سابقة على جمبع ما تقدم الجهل بطبائع الأحوال في العمران فإن كل حادث من الحوادث ذاتاً كان أو فعلاً لا بد له من طبيعة تخصه في ذاته وفيما يعرض له من أحواله فإذا السامع عارفاً بطبائع الحوادث والأحوال في الوجود ومقتضياتها أعانه ذلك تمحيص الخبر على تمييز الصدق من الكذب وهذا أبلغ في التمحيص من كل وجه يعرض‏.‏ وكثيراً ما يعرض للسامعين قبول الأخبار المستحيلة وينقلونها وتؤثر عنهم‏.‏ كما نقله المسعودي عن الإسكندر لما صدته دواب البحر عن بناء الإسكندرية وكيف اتخذ تابوت الخشب وفي باطنه صندوق الزجاج وغاص فيه إلى قعر البحر حتى كتب صور تلك الدواب الشيطانية التي رآها وعمل تماثيلها من أجساد معدنية ونصبها حذاء البنيان ففرت تلك الدواب حين خرجت وعاينتها وتم له بناؤها في حكاية طويلة من أحاديث خرافة مستحيلة من قبل اتخاذه التابوت الزجاجي ومصادمة البحر وأمواجه بجرمه ومن قبل أن الملوك لا تحمل أنفسها على مثل هذا الغرر ومن اعتمده منهم فقد عرض نفسه للهلكة وانتقاض العقدة واجتماع الناس إلى غيره وفي ذلك إتلافه ولا ينتظرون به رجوعه عن غروره ذلك طرفة عين ومن قبل أن الجن لا يعرف لها صور ولا تماثيل تختص بها إنما هي قادرة على التشكل وما يذكر من كثرة الرؤوس لها فإنما المراد البشاعة والتهويل لا أنه حقيقة‏.‏ وهذه كلها قادحة في تلك الحكاية‏.‏ والقادح المحيل لها من طريق الوجود أبين من هذا كله‏.‏ وهو أن المنغمس في الماء ولو كان في الصندوق يضيق عليه الهواء للتنفس الطبيعي وتسخن روحه بسرعة لقلته فيفقد صاحبه الهواء البارد المعدل لمزاج الرئة والروح القلبي ويهلك مكانه‏.‏ وهذا هو السبب في هلاك أهل الحمامات إذا أطبقت عليهم عن الهواء البارد والمتدلين في الأبار والمطامير العميقة المهوى إذا سخن هواؤه بالعفونة ولم تداخلها الرياح فتخلخلها فإن المتدلي فيها يهلك لحينه‏.‏ وبهذا السبب يكون موت الحوت إذا فارق البحر فإن الهواء لا يكفيه في تعديل رئته إذ هوحار بإفراط والماء الذي يعدله بارد والهواء الذي خرج إليه حار فيستولي الحار على روحه الحيواني ويهلك دفعة ومنه هلاك المصعوقين وأمثال ذلك‏.‏ ومن الأخبار المستحيلة ما نقله المسعودي أيضاً في تمثال الزرزور الذي برومة تجتمع إليه الزرازير في يوم معلوم من السنة حاملة للزيتون ومنه يتخذون زيتهم‏.‏ وانظر ما أبعد ذلك عن المجرى الطبيعي في اتخاد الزيت‏.‏ ومنها ما نقله البكري في بناء المدينة المسماة ذات الأبواب تحيط بأكثر من ثلاثين مرحلة تشتمل على عشرة آلاف باب‏.‏ والمدن إنما اتخذت للتحصن والاعتصام كما يأتي وهذه خرجت عن أن يحاط بها فلا يكون فيها حصن ولا معتصم‏!‏‏.‏ وكما نقله المسعودي أيضاً في حديث مدينة النحاس وأنها مدينة كل بنائها نحاس بصحراء سجلماسة ظفر بها موسى بن نصير في غزوته إلى المغرب وأنها مغلقة الأبواب وأن الصاعد إليها من أسوارها إذا أشرف على الحائط صفق ورمى بنفسه فلا يرجع آخر الدهر في حديث مستحيل عادة من خرافات القصاص‏.‏ وصحراء سجلماسة قد نفضها الركاب والأدلاء ولم يقفوا لهذه المدينة على خبر‏.‏ ثم إن هذه الأحوال التي ذكروا عنها كلها مستحيل عادة مناف للأمور الطبيعية في بناء المدن واختطاطها وأن المعادن غاية الموجود منها أن يصرف في الأنية والخرثي وأمثال ذلك كثيرة وتمحيصه إنما هو بمعرفة طبائع العمران وهو أحسن الوجوه وأوثقها في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة ولا يرجع إلى تعديل الرواة حتى يعلم إن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع‏.‏ وأما إذا كان مستحيلاً فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح‏.‏ ولقد عد أهل النظر من المطاعن في الخبر استحالة مدلول الففظ وتأويلة بما لا يقبله العقل‏.‏ وإنما كان التعديل والتجريح هو المعتبر في صحة الأخبار الشرعية لأن معظمها تكاليف انشائية أوجب الشارع العمل بها حتى حصل الظن بصدقها وسبيل صحة الظن الثقة بالرواة بالعدالة والضبط‏.‏ وأما الأخبار عن الواقعات فلا بد في صدقها وصحتها من اعتبار المطابقة‏.‏ فلذلك وجب أن ينظر في إمكان ؤقوعه وصار في ذلك أهم من التعديل ومقدماً عليه إذ فائدة الإنشاء مقتبسة منه فقط وفائدة الخبر منه ومن الخارج بالمطابقة‏.‏ وإذا كان ذلك فالقانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الأجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه من الأحوال لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضاً لا يعتد به وما لا يمكن أن يعرض له‏.‏ وإذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانوناً في تمييز الحق من الباطل في الأخبار والصور من الكذب بوجه برهاني لا مدخل للشك فيه وحينئذ فإذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه‏.‏ وكان ذلك لنا معياراً صحيحاً يتحرى به المؤرخون طريق الضد والصواب فيما ينقلونه‏.‏ وهذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تآليفنا‏.‏ وكان هذا علم مستقل بنفسه‏.‏ فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة أخرى‏.‏ وهذا شأن كل علم من العلوم وضعياً كان أو عقلياً‏.‏

واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص‏.‏ وليس من علم الخطابة الذي هو أحد العلوم المنطقية فإن موضوع الخطابة إنما هو الأقوال المقنعة النافعة في استمالة الجمهور إلى رأي أو صدهم عنه‏.‏ ولا هو أيضاً من علم السياسة المدنية إذ السياسه المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهورعلى منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤة‏.‏ فقد خالف موضوعه موضوع هذين الفنين اللذين ربما يشبهانه‏.‏ وكأنه علم مستنبط النشأة‏.‏ ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة‏.‏ ما أدري ألغفلتهم عن ذلكظ وليس الظن بهم أو لعلهم كتبوا في هذا الغرض واستوفوه ولم يصل إلينا فالعلوم كثيرة والحكماء في أمم النوع الإنساني متعددون وما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصل‏.‏ فأين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله بمحوها عند الفتح وأين علوم الكلدانيين والسريانيين وأهل بابل وما ظهر عليهم آثارها ونتائجها وأين علوم القبط ومن قبلهم وإنما وصل إلينا علوم أمة واحدة وهم يونان خاصة لكلف المأمون بإخراجها من لغتهم واقتداره على ذلك بكثرة المترجمين وبذل الأموال فيها‏.‏ ولم نقف على شيء من علوم غيرهم‏.‏ وإذا كانت كل حقيقة متعقلة طبيعة يصلح أن يبحث عما يعرض لها من العوارض لذاتها وجب إن يكون باعتبار كل مفهوم وحقيقة علم من العلوم يخصه‏.‏ لكن الحكماء لعلهم إنما لاحظوا في ذلك العناية بالثمرات وهذا إنما ثمرته في الأخبار فقط كما رأيت وإن كانت مسائله في ذاتها وفي اختصاصها شريفة لكن ثمرته تصحيح الأخبار وهي ضعيفة فلهذا هجروه والله أعلم ‏"‏ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً‏.‏ وهذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه نجد منه مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم وهي من جنس مسائله بالموضوع والطلب‏:‏ مثل ما يذكره الحكماء والعلماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون فيه إلى الحاكم والوازع ومثل ما يذكر في أصول الفقه في باب اثبات اللغات أن الناس محتاجون إلى العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون والاجتماع وتبيان العبارات أخف ومثل ما يذكره الفقهاء في تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد في أن الزنا مخلط للأنساب مفسد للنوع وأن القتل أيضاً مفسد للنوع وأن الظلم مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع وغير ذلك من سائر المقاصد الشرعية في الأحكام فإنها كلها مبنية على المحافظة على العمران فكان لها النظر فيما يعرض له وهو ظاهر من كلامنا هذا في هذه المسائل الممثلة‏.‏ وكذلك أيضاً يقع إلينا القليل من مسائله في كلمات متفرقة لحكماء الخليقة لكنهم لم يستوفوه‏.‏ فمن كلام الموبذان بهرام بن بهرام في حكاية البوم التي نقلها المسعودي‏:‏ ‏"‏ أيها الملك إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته والتصرف تحت أمره ونهيه ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عز للملك إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلاأ بالمال ولا سبيل إلى المال إلاأ بالعمارة ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة نصبه الرب وجعل له قيما وهو الملك ‏"‏‏.‏ ومن كلام أنو شروان في هذا المعنى بعينه‏:‏ ‏"‏ الملك بالجند والجند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل والعدل بإصلاح العمال وإصلاح العمال باستقامة الوزراء ة ورأس الكل بافتقاد الملك حال رعيته بنفسه واقتداره على تأديبها‏.‏ يملكها ولاتملكه ‏"‏‏.‏ وفي الكتاب المنسوب لأرسطو في السياسة المتداول بين الناس جزء صالح منه إلا أنه غير مستوف ولا معطى حقه من البراهين ومختلط بغيره وقد أشار في ذلك الكتاب إلى هذه الكلمات التي نقلناها عن الموبذان وأنوشروان وجعلها في الدائرة القريبة التي أعظم القول فيها وهو قوله‏:‏ ‏"‏ العالم بستان سياجه الدولة الدولة سلطان تحيا به السنة السنة سياسة يسوسها الملك الملك نظام يعضده الجند الجند أعوان يكفلهم المال المال رزق تجمعه الرعية الرعية عبيد يكنفهم العدل العدل مألوف وبه العالم العالم بستان‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏"‏ ثم ترجع إلى أول الكلام‏.‏ فهذه ثمان كلمات حكمية سياسية ارتبط بعضها ببعض وارتدت أعجازها على صدورها واتصلت في دائرة لا يتعين طرفها فخر بعثوره عليها وعظم من فوائدها‏.‏ وأنت إذا تأملت كلامنا في فصل الدول والملك وأعطيته حقه من التصفح والتفهم عثرت في أثنائه على تفسير الكلمات وتفصيل إجمالها مستوفى بيناً بأوعب بيان وأوضح دليل وبرهان أطلعنا الله عليه من غير تعليم أرسطو ولا إفادة موبذان‏.‏ وكذلك تجد في كلام ابن المقفع وما يستطرد في رسائله من ذكر السياسات الكثير من مسائل كتابنا هذا غير مبرهنة كما برهناه إنما يجليها في الذكر على منحى الخطابة في أسلوب الترسل وبلاغة الكلام‏.‏ وكذلك حوم الماضي أبو بكر الطرطوشي في كتاب سراج الملوك وبوبه على أبواب تقرب من أبواب كتابنا هذا ومسائله لكنه لم يصادف فيه الرمية ولا أصاب الشاكلة ولا استوفى المسائل ولا أوضح الأدلة إنما يبوب الباب للمسألة ثم يستكثر من الأحاد والآثار وينقل كلمات متفرقة لحكماء الفرس مثل بزرجمهر والموبذان وحكماء الهند والمأثور عن دانيال وهرمس وغيرهم من أكابر الخليقة ولا يكشف عن التحقيق قناعاً يرفع بالبراهين الطبيعية حجاباً إنما هو نقل وتركيب شبيه بالمواعظ وكأنه حوم على الغرض ولم يصادفه ولا تحقق قصده ولا استوفى مسائله‏.‏ ونحن ألهمنا الله إلى ذلك الهاماً وأعثرنا على علم جعلنا سن بكره وجهينة خبره‏.‏ فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه فتوفيق من الله وهداية‏.‏ وإن فاتني شيء في إحصائه واشتبهت بغيره مسائله فللناظر المحقق إصلاحه ولي الفضل لأني نهجت له السبيل وأوضحت له الطريق‏.‏ والله يهدي بنوره من يشاء‏.‏ ونحن الأن نبين في هذا الكتاب ما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم والصنائع بوجوه برهانية يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة وتدفع بها الأوهام وترفع الشكوك ونقول‏:‏ لما كان الإنسان متميزاً عن سائر الحيوانات بخواص اختص بها‏.‏ فمنها العلوم والصنائع التي هي نتيجة الفكر الني تميز به عن الحيوانات وشرف بوصفه على المخلوقات‏.‏ ومنها الحاجة إلى الحكم الوازع والسلطان القاهر إذ لا يمكن وجوده دون ذلك من بين الحيوانات كلها إلا ما يقال عن النحل والجراد وهذه وإن كان لها مثل ذلك فبطريق إلهامي لا بفكر وروية‏.‏ ومنها السعي في المعاش والاعتمال في تحصيله من وجوهه واكتساب أسبابه لما جعل الله فيه من الافتقار إلى الغذاء في حياته وبقائه وهداه إلى التماسه وطلبه قال تعالى‏:‏ ‏"‏ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ‏"‏‏.‏ ومنها العمران وهو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش كما سنبينه‏.‏ ومن هذا العمران ما يكون بدوياً وهو الذي يكون في الضواحي وفي الجبال وفي الحلل المنتجعة في القفار وأطراف الرمال ومنه ما يكون حضرياً وهو الذي بالأمصار والقرى والمدن والمدر للاعتصام بها والتحصن بجدرانها‏.‏ وله في كل هذه الأحوال أمور تعرض من حيث الاجتماع عروضاً ذاتياً له فلا جرم انحصر الكلام في هذا الكتاب في ستة فصول‏:‏ الأول‏:‏ في العمران البشري على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض‏.‏ والثاني‏:‏ في العمران البدوي وذكر القبائل والأمم الوحشية‏.‏ والثالث‏:‏ في الدول والخلافة والملك وذكر المراتب السلطانية‏.‏ والرابع‏:‏ في العمران الحضري والبلدان والأمصار‏.‏ والخامس‏:‏ في الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه‏.‏ والسادس‏:‏ في العلوم واكتسابها وتعلمها‏.‏ وقد قدمت العمران البدوي لأنه سابق على جميعها كما نبين لك بعد وكذا تقديم الملك على البلدان والأمصار وأما تقديم المعاش فلأن المعاش ضروري طبيعي وتعلم العلم كمالي أو حاجي والطبيعي أقدم من الكمالي وجعلت الصنائع مع الكسب لأنها منه ببعض الوجوه ومن حيث العمران كما نبين لك بعد‏.‏ والله الموفق للصواب والمعين عليه‏.‏

  الباب الأول من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة

وفيه مقدمات

  المقدمة الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضروري

ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم‏:‏ ‏"‏ الإنسان مدني بالطبع ‏"‏ أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران‏.‏ وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله‏.‏ إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه‏.‏ ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ‏.‏ وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري‏.‏ هب أنه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل‏.‏ ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير‏.‏ ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد‏.‏ فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف‏.‏ وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه‏.‏ لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها وقسم القدر بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان فقدرة الفرس مثلاً أعظم بكثير من قدرة الإنسان وكذا قدرة الحمار والثور وقدرة الأسد والفيل أضعاف من قدرته‏.‏ ولما كان العدوان طبيعياً في الحيوان جعل لكل واحد منها عضواً يختص بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره‏.‏ وجعل للإنسان عوضاً من ذلك كله الفكر واليد‏.‏ فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر والصنائع تحصل له الألات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع‏:‏ مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة والسيوف النائبة عن المخالب الجارحة والتراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى غير ذلك مما ذكر جالينوس في كتاب منافع الأعضاء‏.‏ فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة ولا تفي قدرته أيضاً باستعمال الألات المعدة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصنائع والمواعين المعدة فلا بد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه‏.‏ وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل قوت ولا غذاء ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته ولا يحصل له أيضاً دفاع عن نفسسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر‏.‏ وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلاح للمدافعة وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه‏.‏ فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم وهذا هو معنى العمران الذي جعلناة موضوعاً لهذا العلم‏.‏ وفي هذا الكلام نوع إثبات للموضوع في فنه الذي هو موضوع له‏.‏ وهذا وإن لم يكن واجباً على صاحب الفن لما تقرر في الصناعة المنطقية أنه ليس على صاحب علم إثبات الموضوع في ذلك العلم فليس أيضاً من الممنوعات عندهم فيكون إثباته من التبرعات والله الموفق بفضله‏.‏ ثم إن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه وتم عمران العالم بهم فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم‏.‏ وليست آلة السلاح التي جعلت دافعة لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدو عنهم لأنها موجودة لجميعهم‏.‏ فلا بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يكون من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم والهاماتهم‏.‏ فيكون ذلك الوازع واحداً منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان وهذا هو معنى الملك‏.‏ وقد تبين لك بهذا أنه خاصة للإنسان طبيعية ولا بد لهم منها‏.‏ وقد يوجد في بعض الحيوانات العجم على ما ذكره الحكماء كما في النحل والجراد لما استقرىء فيها من الحكم والانقياد والاتباع لرئيس من أشخاصها متميز عنهم في خلقه وجثمانه إلا أن ذلك موجود لغير الإنسان بمقتضى الفطرة والهداية لا بمقتضى الفكرة والسياسة‏:‏ ‏"‏ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ‏"‏‏.‏ وتزيد الفلاسفة على هذا البرهان حيث يحاولون إثبات النبوة بالدليل العقلي وأنها خاصة طبيعية للإنسان فيقررون هذا البرهان إلى غايته وأنه لا بد للبشر من الوازع ثم يقولون بعد ذلك‏.‏ وذلك الحكم يكون بشرع مفروض من عند الله يأتي به واحد من البشر وأنه لا بد أن يكون متميزاً عنهم بما يودع الله فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه حتى يتم الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار ولا تزييف‏.‏ وهذه القضية للحكماء غير برهانية كما تراه إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه أو بالعصبية التي يقتدر بها على قهرهم وحملهم على جادته‏.‏ فأهل الكتاب والمتبعون للأنبياء قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليس لهم كتاب فإنهم أكثر أهل العالم ومع ذلك فقد كانت لهم الدول والآثار فضلاً عن الحياة وكذلك هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشمال والجنوب‏.‏ بخلاف حياة البشر فوضى دون وازع لهم البتة فإنه يمتنع‏.‏ وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب النبوات وأنه ليس بعقلي وإنما مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من الأمة‏.‏ والله ولي التوفيق والهداية‏.‏ المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من البحار والأنهار والأقاليم اعلم أنه قد تبين في كتب الحكماء الناظرين في أحوال العالم أن شكل الأرض كروي وأنها محفوفة بعنصر الماء كأنها عنبة طافية عليه‏.‏ فانحسر الماء عن بعض جوانبها لما أراد الله من تكوين الحيوانات فيها وعمرانها بالنوع البشري الذي له الخلافة على سائرها‏.‏ وقد يتوهم من ذلك أن الماء تحت الأرض وليس بصحيح وإنما التحت الطبيعي قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها والكل يطلبه بما فيه من الثقل وما عدا ذلك من جوانبها‏.‏ وأما الماء المحيط بها فهو فوق الأرض‏.‏ وإن قيل في شيء منها أنه تحت الأرض فبالإضافة إلى جهة أخرى منه‏.‏ وأما الذي انحسر عنه الماء من الأرض فهو النصف من سطح كرتها في شكل دائرة أحاط العنصر المائي بها من جميع جهاتها بحراً يسم البحر المحيط ويسمى أيضاً لبلاية بتفخيم اللام الثانية ويسمى أوقيانوس أسماء أعجمية ويقال له البحر الأخضر والأسود‏.‏ ثم أن هذا المنكشف من الأرض للعمران فيه القفار والخلاء أكثر من عمرانه والخالي من جهة الجنوب منه أكثر من جهة الشمال وإنما المعمور منه قطعة أميل إلى الجانب الشمالي على شكل مسطح كروي ينتهي من جهة الجنوب إلى خط الاستواء ومن جهة الشمال‏.‏ إلى خط كروي ووراءه الجبال الفاصلة بينه وبين الماء العنصري الذي بينهما سد يأجوج ومأجوج‏.‏ وهذه الجبال مائلة إلى جهة المشرق وينتهي من المشرق والمغرب إلى عنصر الماء أيضاً بقطعتين من الدائرة المحيطة‏.‏ وهذا المنكشف من الأرض قالوا هو مقدار النصف من الكرة أو أقل والمعمور منه مقدار ربعه وهو المنقسم بالأقاليم السبعة‏.‏ وخط الاستواء يقسم الأرض بنصفين من المغرب إلى المشرق وهو طول الأرض وأكبر خط في كرتها كما أن منطقة فلك البروج ودائرة معدل النهار أكبر خط في الفلك‏.‏ ومنطقة البروج منقسمة بثلاثمائة وستين درجة والدرجة من مسافة الأرض خمسة وعشرون فرسخاً والفرسخ اثنا عشر آلف ذراع في ثلاثة أميال لأن الميل أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعاً والإصبع ست حبات شعير مصفوفة ملصق بعضها إلى بعض ظهراً لبطن‏.‏ وبين دائرة معدل النهار التي تقسم الفلك بنصفين وتسامت خط الاستواء من الأرض وبين كل واحد من القطبين تسعون درجة‏.‏ لكن العمارة في الجهة الشمالية من خط الاستواء أربع وستون درجة والباقي منها خلاء لا عمارة فيه لشدة البرد والجمود كما كانت الجهة الجنوبية خلاء كلها لشدة الحر كما نبين ذلك كله إن شاء الله تعالى‏.‏ ثم أن المخبرين عن هذا المعمور وحدوده وما فيه من الأمصار والمدن والجبال والبحار والأنهار والقفار والرمال مثل‏:‏ بطليموس في كتاب الجغرافيا وصاحب كتاب روجار من بعده قسموا هذا المعمور بسبعة أقسام يسمونها الأقاليم السبعة بحدود وهمية بين المشرق والمغرب متساوية في العرض مختلفة في الطول فالأقليم الأول أطول مما بعده وكذا الثاني إلى آخرها فيكون السابع أقصر لما اقتضاه وضع الدائرة الناشئة من انحسار الماء عن كرة الأرض‏.‏ وكل واحد من هذه الأقاليم عندهم منقسم بعشرة أجزاء من المغرب إلى المشرق على التوالي‏.‏ وفي كل جزء

  الخبر عن أحواله وأحوال عمرانه

البحار‏:‏ وذكروا أن هذا البحر المحيط يخرج منه من جهة المغرب في الإقليم الرابع البحر الرومي المعروف‏.‏ ويبدأ في خليج متضايق في عرض اثني عشر ميلاً أو نحوها ما بين طنجة وطريف ويسمى الزقاق ثم يذهب مشرقاً وينفسح إلى عرض ستمائة ميل‏.‏ ونهايته في آخر الجزء الرابع من الإقليم الرابع على ألف فرسخ ومائة وستين فرسخاً من مبدئه وعليه هنالك سواحل الشام‏.‏ وعليه من جهة الجنوب سواحل المغرب أولها طنجة عند الخليج ثم إفريقية ثم برقة إلى الإسكندرية‏.‏ ومن جهة الشمال سواحل القسطنطينية عند الخليج ثم البنادقة ثم رومة ثم الإفرنجة ثم الأندلس إلى طريف عند الزقاق قبالة طنجة‏.‏ ويسمى هذا البحر الرومي والشامي وفيه جزر كثيرة عامرة كبار مثل أقريطش وقبرص وصقلية وميورقة وسردانية ودانية‏.‏ قالوا‏:‏ ويخرج منه في جهة الشمال بحران آخران من خليجين‏.‏ أحدهما مسامت للقسطنطينية يبدأ من هذا البحر متضايقاً في عرض رمية السهم ويمر ثلاثة بحار‏:‏ فيتصل بالقسطنطينية ثم ينفسح في عرض أربعة أميال ويمر في جريه ستين ميلاً ويسمى خليج القسطنطينية ثم يخرج من فوهة عرضها ستة أميال فيمد بحر نيطش وهو بحر ينحرف من هنالك في مذهبه إلى ناحية الشرق فيمر بأرض هريقلية وينتهي إلى بلاد الخزرية على ألف وثلاثمائة ميل من فوهته وعليه من الجانبين أمم من الروم والترك وبرجان والروس‏.‏ والبحر الثاني من خليجي هذا البحر الرومي وهو بحر البنادقة يخرج من بلاد الروم على سمت الشمال فإذا انتهى إلى سمت الجبل انحرف في سمت المغرب إلى بلاد البنادقة وينتهي الي بلاد إنكلاية على ألف ومائة ميل من مبدئه‏.‏ وعلى حافتيه من البنادقة والروم وغيرهم أمم ويسمى خليج البنادقة‏.‏ قالوا‏:‏ وينساح من هذا البحر المحيط أيضاً من الشرق وعلى ثلاث عشرة درجة في الشمال من خط الاستواء بحر عظيم متسع يمر إلى الجنوب قليلاً حتى ينتهي إلى الإقليم الأول ثم يمر فيه مغرباً إلى أن ينتهي في الجزء الخامس منه إلى بلاد الحبشة والزنج وإلى بلاد باب المندب منه على أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ من مبدئه ويسمى البحر الصيني والهندي والحبشي‏.‏ وعليه من جهة الجنوب بلاد الزنج وبلاد بربر التي ذكرها امرؤ القيس في شعره وليسوا من البربر الذين هم قبائل المغرب ثم بلد مقدشو ثم بلد سفالة وأرض الواق واق وأمم أخر ليس بعدهم إلا القفار والخلاء‏.‏ وعليه من جهة الشمال الصين من عند مبدئه ثم الهند ثم السند ثم سواحل اليمن من الأحقاف وزبيد وغيرها ثم بلاد الزنج عند نهايته وبعدهم الحبشة‏.‏ قالوا‏:‏ ويخرج من هذا البحر الحبشي بحران آخران أحدهما يخرج من نهايته عند باب المندب فيبدأ متضايقاً ثم يمر مستبحراً إلى ناحية الشمال ومغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى مدينة القلزم في الجزء الخامس من الإقليم الثاني على ألف وأربعمائة ميل من مبدئه ويسمى بحر القلزم وبحر السويس وبينه وبين فسطاط مصر من هنالك ثلاث مراحل‏.‏ وعليه من جهة الشرق سواحل اليمن ثم الحجاز وجدة ثم مدين وأيلة وفاران عند نهايته ومن جهة الغرب سواحل الصعيد وعيذاب وسواكن وزيلع ثم بلاد الحبشة عند مبدئه وأخره عند القلزم يسامت البحر الرومي عند العريش وبينهما نحو ست مراحل‏.‏ وما زال الملوك في الإسلام وقبله يرومون خرق ما بينهما ولم يتم ذلك‏.‏ والبحر الثاني من هذا البحر الحبشي ويسمى الخليج الأخضر يخرج ما بين بلاد السند والأحقاف من اليمن ويمر إلى ناحية الشمال مغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى الأبلة من سواحل البصرة في الجزء السادس من الإقليم الثاني على أربعمائة فرسخ وأربعين فرسخاً من مبدئه ويسمى بحر فارس‏.‏ وعليه من جهة الشرق سواحل السند ومكران وكرمان وفارس والأبلة عند نهايته ومن جهة الغرب سواحل البحرين واليمامة وعمان والشحر والأحقاف عند مبدئه‏.‏ وفيما بين بحر فارس والقلزم جزيرة العرب كأنها داخلة من البر في البحر يحيط بها البحر الحبشي من الجنوب وبحر القلزم من الغرب وبحر فارس من الشرق وتفضي إلى العراق فيما بين الشام والبصرة على ألف وخمسمائة ميل بينهما‏.‏ وهنالك الكوفة والقادسية وبغداد وإيوان كسرى والحيرة‏.‏ ووراء ذلك أمم الأعاجم من الترك والخزر وغيرهم‏.‏ وفي جزيرة العرب بلاد الحجاز في جهة الغرب منها وبلاد اليمامة والبحرين وعمان جهة الشرق منها وبلاد اليمن في قالوا‏:‏ وفي هذا المعمور بحر أخر منقطع من سائر البحار في ناحية الشمال بأرض الديلم يسمى بحر جرجان وطبرستان طوله ألف ميل في عرض ستمائة ميل في غربيه أذربيجان والديلم وفي شرقيه أرض الترك وخوارزم وفي جنوبيه طبرستان وفي شماليه أرض الخزر واللان‏.‏ هذه جملة البحار المشهورة التي ذكرها أهل الجغرافيا‏.‏ الأنهار قالوا‏:‏ وفي هذا الجزء المعمور أنهار كثيرة أعظمها أربعة أنهار وهي النيل والفرات ودجلة ونهر بلخ المسمى جيحون‏.‏ فأما النيل فمبدؤه من جبل عظيم وراء خط الاستواء بست عشرة درجة على سمت الجزء الرابع من الإقليم الأول ويسمى جبل القمر ولا يعلم في الأرض جبل أعلى منه تخرج منه عيون كثيرة فيصب بعضها في بحيرة هناك وبعضها في أخرى ثم تخرج أنهار من البحيرتين فتصب كلها في بحيرة واحدة عند خط الاستواء على عشر مراحل من الجبل‏.‏ ويخرج من هذه البحيرة نهران‏.‏ يذهب أحدهما إلى ناحية الشمال على سمته ويمر ببلاد النوبة ثم بلاد مصر فإذا جاوزها تشعب في شعب متقاربة يسمى كل واحد منها خليجاً وتصب كلها في البحر الرومي عند الإسكندرية ويسمى نيل مصر وعليه الصعيد من شرقيه والواحات من غربيه‏.‏ ويذهب الأخر منعطفاً إلى المغرب ثم يمرعلى سمته إلى أن يصب في البحر المحيط وهو نهر السودان وأمهم كلهم على ضفتيه‏.‏ وأما الفرات فمبدؤه من بلاد أرمينية في الجزء السادس من الإقليم الخامس ويمر جنوباً في أرض الروم وملطية إلى منبج ثم يمر بصفين ثم بالرقة ثم بالكوفة إلى أن ينتهي إلى البطحاء التي بين البصرة وواسط ومن هناك يصب في البحر الحبشي وتنجلب إليه في طريقه أنهار كثيرة ويخرج منه أنهار أخرى تصب في دجلة‏.‏ وأما دجلة فمبدؤه عين ببلاد خلاط من أرمينية أيضاً وتمر على سمت الجنوب بالموصل وأذربيجان وبغداد إلى واسط فتتفرق إلى خلجان كلها تصب في بحيرة البصرة وتفضي إلى بحر فارس وهو في الشرق على يمين الفرات‏.‏ وينجلب إليه أنهار كثيرة عظيمة من كل جانب‏.‏ وفيما بين الفرات ودجلة من أوله جزيرة الموصل قبالة الشام من عدوتي الفرات وقبالة أذربيجان من عدوة دجلة‏.‏ وأما نهر جيحون فمبدؤه من بلخ في الجزء الثامن من الإقليم الثالث من عيون هناك كثيرة وتنجلب إليه أنهار عظام ويذهب من الجنوب إلى الشمال فيمر ببلاد خراسان ثم يخرج منها إلى بلاد خوارزم في الجزء الثامن من الإقليم الخامس فيصب في بحيرة الجرجانية التي بأسفل مدينتها وهي مسيرة شهر في مثله وإليها ينصب نهر فرغانة والشاش الأتي من بلاد الترك‏.‏ وعلى غربي نهر جيحون بلاد خراسان وخوارزم وعلى شرقيه بلاد بخارى وترمذ وسمرقند ومن هنالك إلى ما وراءه بلاد الترك وفرغانة والخزرجية وأمم الأعاجم‏.‏ وقد ذكر ذلك كله بطليموس في كتابه والشريف في كتاب ‏"‏ روجار ‏"‏ وصوروا في الجغرافيا جميع ما في المعمور من الجبال والبحار والأودية واستوفوا من ذلك ما لا حاجة لنا به لطوله ولأن عنايتنا في الأكثر إنما هي بالمغرب الذي هو وطن البربر وبالأوطان التي للعرب من المشرق واللة الموفق‏.‏

تكملة لهذه المقدمة الثانية في أن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمراناً من الربع الجنوبي وذكر السبب في ذلك ونحن نرى بالمشاهدة والأخبار المتواترة أن الأول والثاني من الأقاليم المعمورة أقل عمراناً مما بعدهما وما وجد من عمرانه فيتخلله الخلاء والقفار والرماد والبحر الهندي الذي في الشرق منهما‏.‏ وأمم هذين الإقليمين وأناسيهما ليست لهم الكثرة البالغة وأمصاره ومدنه كذلك‏.‏ والثالث والرابع وما بعدهما بخلاف ذلك‏.‏ فالقفار فيها قليلة والرمال كذلك أو معدومة وأممها وأناسيها تجوز الحد من الكثرة وأمصارها ومدنها تجاوز الحد عدداً والعمران فيها مندرج ما بين الثالث والسادس والجنوب خلاء كله‏.‏ وقد ذكر كثير من الحكماء أن ذلك لإفراط الحروقلة ميل الشمس فيها عن سمت الرؤوس‏.‏ فلنوضح ذلك ببرهانه ليتبين منه سبب كثرة العمارة فيما بين الثالث والرابع من جانب الشمال إلى الخامس والسابع فنقول‏:‏ إن قطبي الفلك الجنوبي والشمالي إذا كانا على الأفق فهنالك دائرة عظيمة تقسم الفلك بنصفين هي أعظم الدوائر المارة من المشرق إلى المغرب وتسمى دائرة معدل النهار‏.‏ وقد تبين في موضعه من الهيئة أن الفلك الأعلى متحرك من المشرق إلى المغرب حركة يومية يحرك بها سائر الأفلاك التي في جوفه قهراً وهذه الحركة محسوسة‏.‏ وكذلك تبين أن للكواكب في أفلاكها حركة مخالفة لهذه الحركة وهي من المغرب إلى المشرق وتختلف آمادها باختلاف حركة الكواكب في السرعة والبطء‏.‏ وممرات هذه الكواكب في أفلاكها توازيها كلها دائرة عظيمة من الفلك الأعلى تقسمه بنصفين وهي دائرة فلك البروج منقسمة باثني عشر برجاً وهي على ما تبين في موضعه مقاطعة لدائرة معدل النهار على نقطتين متقابلتين من البروج هما أول الحمل وأول الميزان فتقسمها دائرة معدل النهار بنصفين‏:‏ نصف مائل عن معدل النهار إلى الشمال وهو من أول الحمل إلى أخر السنبلة ويصف مائل عنه إلى الجنوب وهو من أول الميزان إلى آخر الحوت‏.‏ وإذا وقع القطبان على الأفق في جميع نواحي الأرض كان على سطح الأرض خط واحد يسامت دائرة معدل النهار يمر من المغرب إلى المشرق ويسمى خط الاستواء‏.‏ ووقع هذا الخط بالرصد على ما زعموا في مبدأ الإقليم الأول من الأقاليم السبعة والعمران كله في الجهة الشمالية عنه‏.‏ والقطب الشمالي يرتفع عن آفاق هذا المعمور بالتدريج إلى أن ينتهي ارتفاعه إلى أربع وستين درجة وهنالك ينقطع العمران وهو آخر الإقليم السابع‏.‏ وإذا ارتفع على الأفق تسعين درجة وهي التي يين القطب ودائرة معدل النهار صار القطب على سمت الرؤوس وصارت دائرة معدل النهار على الأفق وبقيت ستة من البروج فوق الأفق وهي الشمالية وستة تحت الأفق وهي الجنوبية‏.‏ والعمارة فيما بين الأربعة والستين إلى التسعين ممتنعة لأن الحر والبرد حينئذ لا يحصلان ممتزجين لبعد الزمان بينهما فلا يحصل التكوين‏.‏ فإذا الشمس تسامت الرؤوس على خط الاستواء في رأس الحمل والميزان ثم تميل عن المسامتة إلى رأس السرطان ورأس الجدي ويكون نهاية ميلها عن دائرة معدل النهار أربعاً وعشرين درجة‏.‏ ثم إذا ارتفع القطب الشمالي عن الأفق مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرؤوس بمقدار ارتفاعه وانخفض القطب الجنوبي كذلك بمقدار متساو في الثلاثة وهو المسمى عند أهل المواقيت عرض البلد‏.‏ وإذا مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرؤوس علت عليها البروج الشمالية مندرجة في مقدار علوها إلى رأس السرطان وانخفضت البروج الجنوبية من الأفق كذلك إلى رأس الجدي لانحرافها إلى الجانبين في أفق الاستواء كما قلناه‏.‏ فلا يزال الأفق الشمالي يرتفع حتى يصير أبعد الشمالية وهو رأس السرطان في سمت الرؤوس وذلك حيث يكون عرض البلد أربعاً وعشرين في الحجاز وما يليه‏.‏ وهذا هو الميل الذي إذا مال رأس السرطان عن معدل النهار في أفق الاستواء ارتفع بارتفاع القطب الشمالي حتى صار مسامتاً‏.‏ فإذا ارتفع القطب أكثر من أربع وعشرين نزلت الشمس عن المسامتة ولا تزال في انخفاض إلى أن يكون ارتفاع القطب أربعاً وستين ويكون انخفاض الشمس عن المسامتة كذلك وانخفاض القطب الجنوبي عن الأفق مثلها فينقطع التكوين لإفراط البرد والجمد وطول زمانه غير ممتزج بالحر‏.‏ ثم إن الشمس عند المسامتة وما يقاربها تبعث الأشعة على الأرض على زوايا قائمة وفيما دون المسامتة على زوايا منفرجة وحادة‏.‏ وإذا كانت زوايا الأشعة قائمة عظم الضوء وانتشر بخلافه في المنفرجة والحادة‏.‏ فلهذا يكون الحر عند المسامتة وما يقرب منها أكثر منه فيما بعده لأن الضوء سبب الحر والتسخين‏.‏ ثم إن المسامتة في خط الاستواء تكون مرتين في السنة عند نقطتي الحمل والميزان وإذا مالت فغير بعيد‏.‏ ولا يكاد الحر يعتدل في آخر ميلها عند رأس السرطان والجدي إلا أن صعدت إلى المسامتة فتبقى الأشعة القائمة الزوايا تلح على ذلك الأفق ويطول مكثها أو يدوم فيشتعل الهواء حرارة وئفرط في شدتها‏.‏ وكذا ما دامت الشمس تسامت مرتين فيما بعد خط الاستواء إلى عرض أربع وعشرين فإن الأشعة ملحة على الأفق في ذلك بقريب من إلحاحها في خط الاستواء وإفراط الحر يفعل في الهواء تجفيفاً ويبساً يمنع من التكوين لأنه إذا أفرط الحر جفت المياه والرطوبات وفسد التكوين في المعدن والحيوان والنبات إذ التكوين لا يكون إلا بالرطوبة‏.‏ ثم إذا مال رأس السرطان عن سمت الرؤوس في عرض خمس وعشرين فما بعده نزلت الشمس عن المسامتة فيصير الحر إلى الاعتدال أو يميل عنه ميلاً قليلاً فيكون التكوين ويتزايد على التدريج إلى أن يفرط البرد في شدته لقلة الضو وكون الأشعة منفرجة الزوايا فينقص التكوين ويفسد‏.‏ إلا أن فساد التكوين من جهة شدة الحر أعظم منه من جهة شدة البرد لأن الحر أسرع تأثيراً في التجفيف من تأثير البرد في الجمد‏.‏ فلذلك كان العمران في الإقليم الأول والثاني قليلاً وفي الثالث والرابع والخامس متوسطاً لاعتدال الحر بنقصان الضوء وفي السادس والسابع كثيراً لنقصان الحر وإن كيفية البرد لا تؤثر عند أولها في فساد التكوين كما يفعل الحر إذ لا تجفيف فيها إلا عند الإفراط بما يعرض لها حينئذ من اليبس كما بعد السابع‏.‏ فلهذا كان العمران في الربع الشمالي أكثر وأوفر والله ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الإستواء وما وراءه‏.‏ وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة‏.‏ فكيف يتم البرهان على ذلك والظاهر أنهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنما أداهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه قوي بإفراط الحر والعمران فيه إما ممتنع أو ممكن أقلي‏.‏ وهو كذلك فإن خط الاستواء والذي وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جداً‏.‏ وقد زعم ابن رشد أن خط الأستواء معتدل وأن ما وراءه في الجنوب بمثابة ما وراءه في الشمال فيعمر منه ما عمر من هذا‏.‏ والذي قاله غير ممتنع من جهة فساد التكوين وإنما امتنع فيما وراء خط الإستواء في الجنوب من جهة أن العنصر المائي غمر وجه الأرض هنالك إلى الحد الذي كان مقابله من الجهة الشمالية قابلاً للتكوين ولما امتنع المعتدل لغلبة الماء تبعه ما سواه لأن العمران متدرج ويأخذ في التدريج من جهة الوجود لا من جهة الامتناع‏.‏ وأما القول بامتناعه في خط الاستواء فيرده النقل المتواتر والله أعلم‏.‏ ولنرسم بعد هذا الكلام صورة الجغرافيا كما رسمها صاحب كتاب روجار ثم نأخذ في تفصيل الكلام عليها‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلخ‏.‏ تفصيل الكلام على بدء الجغرافيا اعلم أن الحكماء قسموا هذا المعمور كما تقدم ذكره على سبعة أقسام من الشمال إلى الجنوب يسمون كل قسم منها إقليماً‏.‏ فانقسم المعمور من الأرض كله على هذه السبعة الأقاليم كل واحد منها أخذ من الغرب إلى الشرق على طوله‏.‏ فالأول منها مار من المغرب إلى المشرق مع خط الاستواء بحده من جهة الجنوب وليس وراءه هنالك إلا القفار والرمال وبعض عمارة إن صحت فهي كلا عمارة‏.‏ ويليه من جهة شماليه الإقليم الثاني ثم الثالث كذلك ثم الرابع والخامس والسادس والسابع وهو آخر العمران من جهة الشمال‏.‏ وليس وراء السابع إلا الخلاء والقفار إلى أن ينتهي إلى البحر المحيط كالحال فيما وراء الإقليم الأوال في جهة الجنوب إلا أن الخلاء في جهة الشمال أقل بكثير من الخلاء الذي في جهة الجنوب‏.‏ ثم أن أزمنة الليل والنهار تتفاوت في هذه الأقاليم بسبب ميل الشمس عن دائرة معدل النهار وارتفاع القطب الشمالي عن أفاقها‏.‏ فيتفاوت قوس النهار والليل لذلك‏.‏ وينتهي طول الليل والنهار في آخر الإقليم الأول وذلك عند حلول الشمس برأس الجدي لليل وبرأس السرطان للنهار كل واحد منهما إلى ثلاث عشرة ساعة‏.‏ وكذلك في آخر الإقليم الثاني مما يلي الشمال فينتهي طول النهار فيه عند حلول الشمس برأس السرطان وهو منقلبها الصيفي إلى ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة‏.‏ ومثله أطول الليل عند منقلبها الشتوي برأس الجدي‏.‏ ويبقى للأقصر من الليل والنهار ما يبقى بعد الثلاث عشرة ونصف من جملة أربع وعشرين الساعات الزمانية لمجموع الليل والنهار وهي دورة الفلك الكاملة‏.‏ وكذلك في آخر الإقليم الثالث مما يلي الشمال أيضاً ينتهيان إلى أربع عشرة ساعة وفي آخر الرابع إلى أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي آخر الخامس إلى خمس عشر ساعة وفي آخر السادس إلى خمس عشرة ساعة ونصف وفي آخر السابع إلى ست عشرة ساعة وهنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه الأقاليم في الأطول من ليلها ونهارها بنصف ساعة لكل إقليم يتزايد من أوله في ناحية الجنوب إلى آخره في ناحية الشمال موزعة على أجزاء هذا البعد‏.‏ وأما عرض البلدان في هذه الأقاليم فهو عبارة عن بعد ما بين سمت رأس البلد ودائرة معدل النهار الذي هو سمت رأس خط الاستواء وبمثله سواء ينخفض القطب الجنوبي عن أفق ذلك البلد‏.‏ يرتفع القطب الشمالي عنه وهو ثلاثة أبعاد متساوية تسمى عرض البلد كما مر ذلك قبل‏.‏ والمتكلمون على هذه الجغرافيا قسموا كل واحد من هذه الأقاليم السبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية ويذكرون ما اشتمل عليه كل جزء منها من البلدان والأمصار والجبال والأنهار والمسافات بينها في المسالك ونحن الأن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار في كل جزء منها ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب ‏"‏ نزهة المشتاق ‏"‏ الذي ألفه العلوي الإدريسي الحمودي لملك صقلية من الإفرنج وهو روجار بن روجار عندما كان نازلاً عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة‏.‏ وجمع له كتباً جمة للمسعودي وابن خرداذبه والحوقلي والدمري وابن إسحق المنجم وبطليموس وغيرهم ونبدأ منها بالإقليم الأول إلى آخرها والله سبحانه وتعالى يعصمنا بمنه وفضله‏.‏ الإقليم الأول وفيه من جهة غربيه الجزائر الخالدات التي منها بدأ بطليموس يأخذ أطوال البلاد‏.‏ وليست في بسيط الإقليم وإنما هي في البحر المحيط جزر متكثرة أكبرها وأشهرها ثلاثة ويقال إنها معمورة‏.‏ وقد بلغنا أن سفائن من الإفرنج مرت بها في أواسط هذه المائة وقاتلوهم فغنموا منهم وسبوا وباعوا بعض أساراهم بسواحل المغرب الأقصى وصاروا إلى خدمة السلطان‏.‏ فلما تعلموا اللسان العربي أخبروا عن حال جزائرهم وإنهم يحتفرون الأرض للزراعة بالقرون وأن الحديد مفقود بأرضهم وعيشهم من الشعير وماشيتهم المعز وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف وعبادتهم السجود للشمس إذا طلعت ولا يعرفون ديناً ولم تبلغهم دعوة‏.‏ ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلا بالعثور لا بالقصد إليها لأن سفر السفن في البحر إنما هو بالرياح ومعرفة جهات مهابها وإلى أين يوصل إذا مرت على الاستقامة من البلاد التي في ممر ذلك المهب‏.‏ وإذا اختلف المهب وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل السفينة بها على قوانين في ذلك محصلة عند النواتية والملاحين الذين هم رؤساء السفن في البحر‏.‏ والبلاد التي في حافات البحر الرومي وفي غدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها في سواحل البحرعلى ترتيبها ومهاب الرياح وممراتها على اختلافها مرسوم معها في تلك الصحيفة ويسمونها الكنباص وعليها يعتمدون في أسفارهم‏.‏ وهذا كله مفقود في البحر المحيط‏.‏ فلذلك لا تلج فيه السفن لأنها إن غابت عن مرأى السواحل فقل أن تهتدي إلى الرجوع إليها مع ما ينعقد في جو هذا البحر وعلى سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسفن في مسيرها وهي لبعدها لا تدركها أضواء الشمس المنعكسة من سطح الأرض فتحللها‏.‏ فلذلك عسر الاهتداء إليها وصعب الوقوف على خبرها‏.‏ وأما الجزء الأول من هذا الإقليم ففيه مصب النيل الآتي من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه ويسمى نيل السودان‏.‏ ويذهب إلى البحر المحيط فيصب فيه عند جزيرة أوليك‏.‏ وعلى هذا النيل مدينة سلا وتكرور وغانة وكلها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السودان‏.‏ وإلى بلادهم تسافر تجار المغرب الأقصى وبالقرب منها من شماليها بلاد لمتونة وسائر طوائف الملثمين ومفاوز يجولون فيها‏.‏ وفي جنوبي هذا النيل قوم من السودان يقال لهم لملم وهم كفار ويكتوون في وجوههم وأصداغهم وأهل غانة والتكرور يغيرون عليهم ويسبونهم ويبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلى المغرب وكلهم عامة رقيقهم وليس وراءهم في الجنوب عمران يعتبر إلا أناسي أقرب إلى الحيوان العجم من الناطق يسكنون الفيافي والكهوف ويأكلون العشب والحبوب غير مهيأة وربما يأكل بعضهم بعضاً وليسوا في عداد البشر‏.‏ وفواكه بلاد السودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتكدرارين ووركلان‏.‏ فكان في غانة فيما يقال ملك ودولة لقوم من العلويين يعرفون ببني صالح‏.‏ وقال صاحب كتاب روجار أنه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن ولا يعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن‏.‏ وقد ذهبت هذه الدولة لهذا العهد وصارت غانة لسلطان مالي‏.‏ وفي شرقي هذا البلد في الجزء الثالث من هذا الإقليم بلد كوكو على نهر ينبع من بعض الجبال هنالك‏.‏ ويمر مغرباً فيغوص في رمال الجزء الثاني‏.‏ وكان ملك كوكو قائماً بنفسه ثم استولى عليها سلطان مالي وأصبحت في مملكته وخربت لهذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلها من تاريخ البربر‏.‏ وفي جنوبي بلد كوكو بلاد كانم من أمم السودان‏.‏ وبعدهم ونغارة على ضفة النيل من شماليه‏.‏ وفي شرقي بلاد ونغارة وكانم بلاد زغاوة وتاجرة المتصلة بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا الإقليم‏.‏ وفيه يفر نيل مصرذاهباً من مبدئه عند خط الاستواء إلى البحر الرومي فى الشمال‏.‏ ومخرج هذا النيل من جبل القمر الذي فوق خط الاستواء بست عشرة درجة‏.‏ واختلفوا في ضبط هذه اللفظة‏.‏ فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه وكثرة ضوئه‏.‏ وفي كتاب المشترك لياقوت بضم القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم من أهل الهند وكذا ضبطه ابن سعيد‏.‏ فيخرح من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كل خمسة منها في بحيرة وبينهما ستة أميال‏.‏ ويخرج من كل واحدة من البحيرتين ثلاثة أنهار تجتمع كلها في بطيحة واحدة في أسفلها جبل معترض يشق البحيرة من ناحية الشمال‏.‏ وينقسم ماؤها بقسمين‏:‏ فيمر الغربي منه إلى بلاد السودان مغرباً حتى يصب في البحر المحيط ويخرج الشرقي منه ذاهباً إلى الشمال على بلاد الحبشة والنوبة وفيما بينهما وينقسم في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من جداوله في البحر الرومي عند الإسكندرية ورشيد ودمياط ويصب واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأول وعلى هذا النيل بلاد النوبة والحبشة وبعض بلاد الواحات إلى أسوان‏.‏ وحاضرة بلاد النوبة مدينة دنقلة وهي في غربي هذا النيل وبعدها علوة وبلاق وبعدهما جبل الجنادل على ستة مراحل من بلاق في الشمال وهو جبل عال من جهة مصر ومنخفض من جهة النوبة فينفذ فيه النيل ويصب في مهوى بعيد صباً هائلاً فلا يمكن أن تسلكه المراكب بل يحول الوسق من مراكب السودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعدة الصعيد وكذا وسق مراكب الصعيد إلى فوق الجنادل‏.‏ وبين الجنادل وأسوان اثنتا عشرة مرحلة‏.‏ والواحات في غربيها عدوة النيل وهي الأن خراب وبها آثار العمارة القديمة‏.‏ وفي وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة على واد يأتي من وراء خط الاستواء ذاهباً إلى أرض النوبة فيصب هناك في النيل الهابط إلى مصر‏.‏ وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنه من نيل القمر‏.‏ وبطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا وذكر أنه ليس من هذا النيل‏.‏ وإلى وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس ينتهي بحر الهند الذي يدخل من ناحية الصين ويغمرعامة هذا الإقليم إلى هذا الجزء الخامس فلا يبقى فيه عمران إلا ما كان في الجزائر التي في داخله وهي متعددة يقال تنتهي إلى ألف جزيرة أو فيما على سواحله الجنوبية وهي آخر المعمور في الجنوب أو فيما على سواحله من جهة الشمال وليس منها في هذا الإقليم الأول إلا طرف من بلاد الصين في جهة الشرقي وفي بلاد اليمن‏.‏ وفي الجزء السادس من هذا الإقليم فيما بين البحرين الهابطين من هذا البحر الهندي إلى جهة الشمال وهما بحر قلزم وبحر فارس وفيما بينهما جزيرة العرب‏.‏ وتشتمل على بلاد اليمن وبلاد الشحر في شرقيها على ساحل هذا البحر الهندي وعلى بلاد الحجاز واليمامة‏.‏ وما إليهما كما نذكره في الإقليم الثاني وما بعده فأما الذي على ساحل هذا البحر من غربيه فبلد زالع من أطراف بلاد الحبشة ومجالات البجة في شمالي الحبشة ما بين جبل العلاقي في أعالي الصعيد وبين بحر القلزم الهابط من البحر الهندي وتحت بلاد زالع من جهة الشمال في هذا الجزء خليج باب المندب يضيق البحر الهابط هنالك بمزاحمة جبل المندب المائل في وسط البحر الهندي ممتداً مع ساحل اليمن من الجنوب إلى الشمال في طول اثني عشر ميلاً فيضيق البحر بسبب ذلك إلى أن يصير في غرض ثلاثة أميال أو نحوها ويسمى باب المندب وعليه تمر مراكب اليمن إلى ساحل السويس قريباً من مصر‏.‏ وتحت باب المندب جزيرة سواكن ودهلك وقبالته من غربيه مجالات البجة من أمم السودان كما ذكرناه‏.‏ ومن شرقيه في هذا الجزء تهائم اليمن ومنها على ساحله بلد علي بن يعقوب‏.‏ وفي جهة الجنوب من بلد زالع وعلى ساحل هذا البحر من غربيه قرى بربر يتلو بعضها بعضاً‏.‏ وينعطف مع جنوبيه إلى آخر الجزء السادس‏.‏ ويليها هنالك من جهة شرقيها بلاد الزنج ثم بلاد سفالة على ساحله الجنوي في الجزء السابع من هذا الإقليم‏.‏ وفي شرقي بلاد سفالة من ساحله الجنوبي بلاد الواق واق متصلة إلى آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط‏.‏ وأما جزائر هذا البحر فكثيرة من أعظمها جزيرة سرنديب مدورة الشكل وبها الجبل المشهور يقال ليس في الأرض أعلى منه وهي قبالة سفالة‏.‏ ثم جزيرة القمر وهي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة وتذهب إلى الشرق منحرفة بكثير إلى الشمال إلى أن تقرب من سواحل أعالي الصين ويحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر الواق واق ومن شرقيها جزائر السملان إلى جزائر آخر في هذا البحر كثيرة العدد وفيها أنواع الطيب والأفاوية وفيها يقال معادن الذهب والزمرد وعامة أهلها على دين المجوسية وفيهم ملوك متعددون‏.‏ وبهذه الجزائر من أحوال العمران عجائب ذكرها أهل الجغرافيا‏.‏ وعلى الضفة الشمالية من هذا البحر في الجزء السادس من هذا الإقليم بلاد اليمن كلها‏.‏ فمن جهة بحر القلزم بلد زبيد والمهجم وتهامة اليمن وبعدها بلد صعدة مقر الإمامة الزيدية وهي بعيدة عن البحر الجنوبي وعن البحر الشرقي‏.‏ وفيما بعد ذلك مدينة عدن وفي شماليها صنعاء وبعدهما إلى المشرق أرض الأحقاف وظفار وبعدها أرض حضر موت ثم بلاد الشحر ما بين البحر الجنوبي وبحر فارس‏.‏ وهذه القطعة من الجزء السادس هي التي انكشف عنها البحر من أجزاء هذا الإقليم الوسطى وينكشف بعدها قليل من الجزء التاسع وأكثر منه من العاشر فيه أعالي بلاد الصين ومن مدنه الشهيرة خانكو وقبالتها من جهة الشرق جزائر السيلان وقد تقدم ذكرها‏.‏ وهذا آخر الكلام في الإقليم الأول الإقليم الثاني وهو متصل بالأول من جهة الشمال‏.‏ وقبالة المغرب منه في البحر المحيط جزيرتان من الجزائر الخالدات التي مر ذكرها وفي الجزء الأول والثاني منه في الجانب الأعلى منهما أرض قنورية وبعدها في جهة الشرق أعالي أرض غانة ثم مجالات زغاوة من السودان وفي الجانب الأسفل منهما صحراء نيستر متصلة من الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بين بلاد المغرب وبلاد السودان وفيها مجالات الملثمين من صنهاجة وهم شعوب كثيرة ما بين كزولة ولمتونة ومسراتة ولمطة ووريكة‏.‏ وعلى سمت هذه المفاوز شرقاً أرض فزان ثم مجالات أزكار من قبائل البربر ذاهبة إلى أعالي الجزء الثالث على سمتها في الشرق وبعدها من هذا الجزء بلاد كوار من أمم السودان ثم قطعة من أرض الباجويين‏.‏ وفي أسافل هذا الجزء الثالث وهي جهة الشمال منه بقية أرض ودان وعلى سمتها شرقاً أرض سنترية وتسمى الواحات الداخلة‏.‏ وفي الجزء الرابع من أعلاه بقية أرض الباجويين‏.‏ ثم يعترض في وسط هذا الجزء بلاد الصعيد حافات النيل الذاهب من مبدئه في الإقليم الأول إلى مصبه في البحر فيمر في هذا الجزء بين الجبلين الحاجزين وهما جبل الواحات من غربيه وجبل المقطم من شرقيه وعليه من أعلاه بلد أسنا وأرمنت ويتصل كذلك حافاته إلى أسيوط وقوص ثم إلى صول‏.‏ ويفترق النيل هنالك على شعبين ينتهي الأيمن منهما في هذا الجزء عند اللاهون والأيسر عند دلاص وفيما بينهما أعالي ديار مصر‏.‏ وفي الشرق من جبل المقطم صحارى عيذاب ذاهبة في الجزء الخامس إلى أن تنتهي إلى بحر السويس وهو بحر القلزم الهابط من البحر الهندي في الجنوب إلى جهة الشمال‏.‏ وفي عدوته الشرقية من هذا الجزء أرض الحجاز من جبل يلملم إلى بلاد يثرب‏.‏ وفي وسط الحجاز مكة شرفها الله وفي ساحلها مدينة جدة تقابل بلد عيذاب في العدوة الغربية من هذا البحر‏.‏ وفي الجزء السادس من غربيه بلاد نجد أعلاها في الجنوب وتبالة وجرش إلى عكاظ من الشمال‏.‏ وتحت نجد من هذا الجزء بقية أرض الحجاز وعلى سمتها في الشرق بلاد نجران وخيبر وتحتها أرض اليمامة وعلى سمت نجران في الشرق أرض سبأ ومأرب ثم أرض الشحر‏.‏ وينتهي إلى بحر فارس وهو البحر الثاني الهابط من البحر الهندي إلى الشمال كما مر‏.‏ ويذهب في هذا الجزء بانحراف إلى الغرب فيمر ما بين شرقيه وجوفيه قطعة مثلثة عليها من أعلاة مدينة قلهات‏.‏ وهي ساحل الشحر ثم تحتها على ساحله بلاد عمان ثم بلاد البحرين وهجر منها في آخر الجزء‏.‏ وفي الجزء السابع في الأعلى من غربيه قطعة من بحر فارس تتصل بالقطعة الأخرى في السادس‏.‏ ويغمر بحر الهند جانبه الأعلى كله‏.‏ وعليه هنالك بلاد السند إلى بلاد مكران ويقابلها بلاد الطوبران وهي من السند أيضاً‏.‏ فيتصل السند كله في الجانب الغربي من هذا الجزء وتحول المفاوز بينه وبين أرض الهند ويمر فيه نهره الآتي من ناحية بلاد الهند ويصب في البحر الهندي في الجنوب‏.‏ وأول بلاد الهند على ساحل البحر الهندي وفي سمتها شرقاً بلاد بلهرا وتحتها الملتان بلاد الصنم المعظم عندهم ثم إلى أسفل من السند ثم إلى أعالي بلاد سجستان‏.‏ وفي الجزء الثامن من غربيه بقية بلاد بلهرا من الهند وعلى سمتها شرقاً بلاد القندهار ثم بلاد منيبار وفي الجانب الأعلى على ساحل البحر الهندي وتحتها في الجانب الأسفل أرض كابل وبعدها شرقاً إلى البحر المحيط بلاد القنوج ما بين قشمير الداخلة وقشمير الخارجة عند آخر الإقليم‏.‏ وفي الجزء التاسع ثم في الجانب الغربي منه بلاد الهند الأقصى ويتصل فيه إلى الجانب الشرقي فيتصل من أعلاه إلى العاشر وتبقى في أسفل ذلك الجانب قطعة من بلاد الصين فيها مدينة شيغون ثم تتصل بلاد الصين في الجزء العاشر كله إلى البحر المحيط والله ورسوله أعلم وبه سبحانه التوفيق وهو ولي الفضل والكرم‏.‏ وهو متصل بالثاني من جهة الشمال‏.‏ ففي الجزء الأول منه وعلى نحو الثلث من أعلاه جبل درن معترض فيه من غربيه عند البحر المحيط إلى الشرق عند آخره‏.‏ ويسكن هذا الجبل من البربر أمم لا يحصيهم إلا خالقهم حسبما يأتي ذكره‏.‏ وفي القطعة التي بين هذا الجبل والإقليم الثاني وعلى البحر المحيط منها رباط ماسة ويتصل به شرقاً بلاد سوس ونول وعلى سمتها شرقاً بلاد درعة ثم بلاد سجلماسة ثم قطعة من صحراء نيستر المفازة التي ذكرناها في الإقليم الثاني‏.‏ وهذا الجبل مطل على هذه البلاد كلها في هذا الجزء وهو قليل الثنايا والمسالك في هذه الناحية الغربية إلى أن يسامت وادي ملوية فتكثر ثناياه ومسالكه إلى أن ينتهي‏.‏ وفي هذه الناحية منه أمم المصامدة ثم هنتاتة ثم تينملك ثم كدميوة ثم مشكورة وهم آخر المصامدة فيه ثم قبائل صنهاكة وهم صنهاجة‏.‏ وفي آخر هذا الجزء منه بعض قبائل زناتة‏.‏ ويتصل به هنالك من جوفيه جبل أوراس وهو جبل كتامة‏.‏ وبعد ذلك أمم أخرى من البرابرة نذكرهم في أماكنهم‏.‏ ثم أن جبل درن هذا من جهة غربيه مطل على بلاد المغرب الأقصى وهي في جوفيه‏.‏ ففي الناحيه الجنوبية منها بلاد مراكش وأغمات وتادلا‏.‏ وعلى البحر المحيط منها رباط أسفى ومدينة سلا‏.‏ وفي الجوف عن بلاد مراكش بلاد فاس ومكناسة وتازا وقصر كتامة‏.‏ وهذه هي ائتي تسمى المغرب الأقصى في عرف أهلها‏.‏ وعلى ساحل البحر المحيط منها بلدان‏:‏ أصيلا والعرايش‏.‏ وفي سمت هذه البلاد شرقاً بلاد المغرب الأوسط وقاعدتها تلمسان وفي سواحلها على البحر الرومي بلذ هنين ووهران والجزائر‏.‏ لأن هذا البحر الرومي يخرج من البحر المحيط من خليج طنجة في الناحية الغريية من الإقليم الرابع ويذهب مشرقاً فينتهي إلى بلاد الشام فإذا خرج من الخليج المتضايق غير بعيد انفسح جنوباً وشمالاً فدخل في الإقليم الثالث والخامس‏.‏ فلهذا كان على ساحله من هذا الإقليم الثاك الكثير من بلاده‏.‏ ثم يتصل ببلاد الجزائر من شرقيها بلاد بجاية في ساحل البحر ثم قسنطينة في الشرق منها‏.‏ وفي آخر الجزء الأول وعلى مرحلة من هذا البحر في جنوب هذه البلاد ومرتفعاً إلى جنوب المغرب الأوسط بلد أشير ثم بلد المسيلة ثم الزاب وقاعدتها بسكرة تحت جبل أوراس المتصل بدرن كما مر‏.‏ وذلك عند آخر هذا الجزء من جهة الشرقي‏.‏ والجزء الثاني من هذا الإقليم على هيئة الجزء الأول ثم جبل درن على نحو الثلث من جنوبه ذاهباً فيه من غرب إلى شرق فيقسمه بقطعتين‏.‏ ويغمر البحر الرومي مسافة من شماله‏.‏ فالقطعة الجنوبية عن جبل درن غربيها كله مفاوز وفي الشرق منها بلد غدامس وفي سمتها شرقاً أرض ودان التي بقيتها في الإقليم الثاني كما مر‏.‏ والقطعة الجوفية عن جبل درن ما بينه وبين البحر الرومي في الغرب منها جبل أوراس وتبسة والأوبس‏.‏ وعلى ساحل البحر بلد بونة‏.‏ ثم في سمت هذه البلاد شرقاً بلاد إفريقية‏.‏ فعلى ساحل البحر مدينة تونس ثم سوسة ثم المهدية‏.‏ وفي جنوب هذه البلاد تحت جبل درن بلاد الجريد‏:‏ توزر وقفصة ونفزاوة‏.‏ وفيما بينها وبين السواحل مدينة القيروان وجبل وسلات وسبيطلة‏.‏ وعلى سمت هذه البلاد كلها شرقاً بلد طرابلس على البحر الرومي‏.‏ وبإزائها في الجنوب جبل دمر ونقرة من قبائل هوارة متصلة بجبل دحرن وفي مقابلة غدامس التي مر ذكرها في آخر القطعة الجنوبية‏.‏ وآخر هذا الجزء في الشرق سويقة ابن مشكورة على البحر‏.‏ وفي جنوبها مجالات العرب في أض ودان‏.‏ وفي الجزء الثالث من هذا الإقليم يمر أيضاً فيه جبل درن إلا أنه ينعطف عند آخره إلى الشمال ويذهب على سمته إلى أن يدخل في البحر الرومي ويسمى هنالك طرف أوثان‏.‏ والبحر الرومي من شماليه يغمر طائفة منه إلى أن يضايق ما بينه وبين جبل درن‏.‏ فالذي وراء الجبل في الجنوب وفي الغرب منة بقية أرض ودان ومجالات العرب فيها ثم زويلة ابن الخطاب ثم رمال وقفار إلى آخر الجزء في الشرق‏.‏ وفيما بين الجبل والبحر في الغرب منه بلد سرت على البحر‏.‏ ثم خلاء وقفار تجول فيها العرب ثم أجدابية ثم برقة عند منعطف الجبل ثم طلمسة على البحر هنالك ثم في شرق المنعطف من الجبل مجالات هيب ورواحة إلى آخر الجزء‏.‏

وفي الجزء الرابع من هذا الإقليم وفي الأعلى من غربيه صحارى برقيق وأسفل منها بلاد هيب ورواحة‏.‏ ثم يدخل البحر الرومي في هذا الجزء فيغمر طائفة منه إلى الجنوب حتى يزاحم طرفه الأعلى ويبقى بينة وبين آخر الجزء قفار تجول فيها العرب وعلى سمتها شرقاً بلاد الفيوم وهي على مصب أحد الشعبين من النيل الذي يمرعلى اللاهون من بلاد الصعيد في الجزء الرابع من الإقليم الثاني‏.‏ ويصب في بحيرة فيوم وعلى سمته شرقاً أرض مصر ومدينتها الشهيرة على الشعب الثاني الذي يمر بدلاص كل بلاد الصعيد عند آخر الجزء الثاني‏.‏ ويفترق هذا الشعب افتراقة ثانية من تحت مصر على شعبين آخرين من شنطوف وزفتي‏.‏ وينقسم الأيمن منهما من قرمط بشعبين آخرين ويصب جميعها في البحر الرومي‏.‏ فعلى مصب الغربي من هذا الشعب بلد الإسكندرية وعلى مصب الوسط بلد رشيد وعلى مصب الشرقي بلد دمياط‏.‏ وبين مصر والقاهرة وبين هذه السواحل البحرية أسافل الديار المصرية كلها محشوة عمراناً وفلجاً‏.‏ وفي الجزء الخامس من هذا الإقليم بلاد الشام وأكثرها على ما أصف وذلك لأن بحر القلزم ينتهي من الجنوب وفي الغرب منه عند السويس لأنه في ممره مبتدئ من البحر الهندي إلى الشمال ينعطف آخذاً إلى جهة الغرب فتكون قطعة من انعطافه في هذا الجزء طويلة فينتهي في الطرف الغربي منه إلى السويس‏.‏ وعلى هن‏!‏ القطعة بعد السويس فاران ثم جبل الطور ثم أيلة مدين ثم الحوراء في آخرها‏.‏ ومن هنالك ينعطف بساحله إلى الجنوب في أرض الحجاز كما مر في الأقليم الثاني في الجزء الخامس منه‏.‏ وفي الناحية الشمالية من هذا الجزء قطعة من البحر الرومي غمرت كثيراً من غربيه عليها الفرما والعريش وقارب طرفها بلد القلزم فيضايق ما بينهما من هنالك وبقي شبه الباب مفضياً إلى أرض الشام‏.‏ وفي غربي هذا الباب فحص التيه أرض جرداء لا تنبت كانت مجالاً لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وقبل دخولهم إلى الشام أربعين سنة كما قصه القرآن‏.‏ وفي هذه القطعة من البحر الرومي في هذا الجزء طائفة من جزيرة قبرص وبقيتها في الأقليم الرابع كما نذكره‏.‏ وعلى ساحل هذه القطعة عند الطرف المتضايق لبحر السويس بلد العريش وهو آخر الديار المصرية وعسقلان وبينهما طرف هذا البحر ثم تنحط هذه القطعة في انعطافها من هنالك إلى الأقليم الرابع عند طرابلس وغزة‏.‏ وهنالك ينتهي البحر الرومي في جهة الشرق‏.‏ وعلى هذه القطعة أكثر سواحل الشام‏.‏ ففي شرقه غزة ثم عسقلان بانحراف يسير عنها إلى الشمال بلد قيسارية‏.‏ ثم كذلك بلد عكا ثم صور ثم صيدا ثم ينعطف البحر إلى الشمال في الأقليم الرابع‏.‏ ويقابل هذه البلاد الساحلية من هذه القطعة في هذا الجزء جبل عظيم يخرج من ساحل أيلة من بحر القلزم ويذهب في ناحية الشمال منحرفاً إلى الشرق إلى إن يجاوز هذا الجزء ويسمى جبل اللكام وكأنه حاجز بين أرض مصر والشام‏.‏ ففي طرفه عند أيلة العقبة التي يمر عليها الحجاج من مصر إلى مكة ثم بعدها في ناحية الشمال مدفن الخليل عليه الصلاة والسلام عند جبل السراه يتصل من عند جبل اللكام المذكور من شمال العقبة ذاهباً على سمت الشرق ثم ينعطف قليلاً‏.‏ وفي شرقه هنالك بلد الحجر وديار ثمود وتيماء ودومة الجندل وهي أسافل الحجاز‏.‏ وفوقها جبل رضوى وحصون خيبر في جهة الجنوب عنها‏.‏ وفيما بين جبل السراة وبحر القلزم صحراء تبوك‏.‏ وفي شمال جبل السراة مدينة القدس عند جبل اللكام ثم الأردن ثم طبرية‏.‏ وفي شرقها بلاد الغور إلى أذرعات وفي سمتها شرقاً دومة الجندل آخر هذا الجزء وهي آخر الحجاز‏.‏ وعند منعطف جبل اللكام إلى الشمال من آخر هذا الجزء مدينة دمشق مقابلة صيدا وبيروت من القطعة البحرية وجبل اللكام يعترض بينها وبينها‏.‏ وعلى سمت دمشق في الشرق مدينة بعلبك ثم مدينة حمص في الجهة الشمالية آخر الجزء عند منقطع جبل اللكام‏.‏ وفي الشرق عن بعلبك وحمص بلد تدمر ومجالات البادية إلى آخر الجزء‏.‏ وفي الجزء السادس من أعلاه مجالات الأعراب تحت بلاد نجد واليمامة ما بين جبل العرج والصمان إلى البحرين وهجر على بحر فارس‏.‏ وفي أسافل هذا الجزء تحت المجالات بلد الحيرة والقادسية ومغايض الفرات‏.‏ وفيما بعدها شرقاً مدينة ا البصرة‏.‏ وفي هذا الجزء ينتهي بحر فارس عند عبادان والأبلة من أسافل الجزء من شماله‏.‏ ويصب فيه عند عبادان نهر دجلة بعد أن ينقسم بجداول كثيرة وتختلط به جداول أخرى من الفرات ثم تجتمع كلها عند عبادان وتصب في بحر فارس‏.‏ وهذه القطعة من البحر متسعة في أعلاه متضايقة في آخره في شرقيه وضيقة عند منتهاه مضايقة للحد الشمالي منه‏.‏ وعلى عدوتها الغربية منه أسافل البحرين وهجر والأحساء وفي غربها أخطب والصمان وبقية أرض اليمامة وعلى عدوته الشرقية سواحل فارس من أعلاها وهو من عند آخر الجزء من الشرق على طرف قد امتد من هذا البحر مشرقاً‏.‏ ووراءه إلى الجنوب في هذا الجزء جبال القفص من كرمان وتحت هرمز على الساحل بلد سيراف ونجيرم على ساحل هذا البحر‏.‏ وفي شرقيه إلى آخر هذا الجزء وتحت هرمز بلاد فارس مثل سابور ودار أبجرد ونسا واصطخر والشاهجان وشيراز وهي قاعدتها كلها‏.‏ وتحت بلاد فارس إلى الشمال عند طرف البحر بلاد خوزستان ومنها الأهواز وتستر وصدى وسابور والسوس ورام هرمز وغيرها وأرجان وهي حد ما بين فارس وخوزستان‏.‏ وفي شرقي بلاد خوزستان جبال الأكراد متصلة إلى نواحي أصبهان وبها مساكنهم ومجالاتهم وراءها في أرض فارس وتسمى الرسوم‏.‏ وفي الجزء السابع في الأعلى منه من المغرب بقية جبال القفص ويليها من الجنوب والشمال بلاد كرمان ومكران ومن مدنها الرودان والضيرجان وجيرفت ويزدشير والبهرج‏.‏ وتحت أرض كرمان إلى الشمال بقية بلاد فارس إلى حدود أصبهان ومدينة أصبهان في طرف هذا الجزء ما بين غربه وشماله‏.‏ ثم في المشرق عن بلاد كرمان وبلاد فارس أرض سجستان وكوهستان في الجنوب‏.‏ وأرض كوهستان في الشمال عنها‏.‏ ويتوسط بين كرمان وفارس وبين سجستان وكوهستان في وسط هذا الجزء المفاوز العظمى القليلة المسالك لصعوبتها‏.‏ ومن مدن سجستان بست والطاق‏.‏ وأما كوهستان فهي من بلاد خراسان‏.‏ ومن مشاهير بلادها سرخس وكوهستان آخر الجزء‏.‏ وفي الجزء الثامن من غربه وجنوبه مجالات الجلح من أمم الترك متصلة بأرض سجستان من غربها وبأرض كابل الهند من جنوبها‏.‏ وفي الشمال عن هذه المجالات جبال الغور وبلادها وقاعدتها غزنة فرضة الهند‏.‏ وفي آخر الغور من الشمال بلاد أستراباذ ثم في الشمال غرباً إلى آخر الجزء بلاد هراة أوسط خراسان‏.‏ وبها أسفراين وقاشان وبوشنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان‏.‏ وتنتهي خراسان هنالك إلى نهر جيحون‏.‏ وعلى هذا النهر من بلاد خراسان من غربيه مدينة بلخ وفي شرقيه مدينة ترمذ ومدينة بلخ كانت كرسي مملكة الترك‏.‏ وهذا النهر نهر جيحون مخرجه من بلاد وجار في حدود بذخشان مما يلي الهند‏.‏ ويخرخ من جنوب هذا الجزء وعند آخره من الشرق فينعطف عن قرب مغرباً إلى وسط الجزء ويسمى هنالك نهر خرناب ثم ينعطف إلى الشمال حتى يمر بخراسان ويذهب على سمته إلى إن يصب في بحرة خوارزم في الإقليم الخامس كما نذكره‏.‏ ويمده عند انعطافه في وسط الجزء من الجنوب إلى الشمال خمسة أنهارعظيمة من بلاد الختل والوخش من شرقيه وأنهار أخرى من جبال البتم من شرقيه أيضاً وجوفي الجبل حتى يتسع ويعظم بما لا كفاء له ومن هذه الأنهار الخمسة الممدة له نهر وخشاب يخرج من بلاد التبت وهي بين الجنوب والشرق من هذا الجزء فيمر مغرباً بانحراف إلى الشمال إلى أن يخرج إلى الجزء التاسع قريباً من شمال هذا الجزء يعترضة فى طريقه جبل عظيم يمر من وسط الجنوب في هذا الجزء ويذهب مشرقاً بانحراف إلى الشمال إلى أن يخرج إلى الجزء التاسع قريباً من شمال هذا الجزء فيجوز بلاد التبت إلى القطعة الشرقية الجنوبية من هذا الجزء‏.‏ ويحول بين الترك وبين بلاد الختل وليس فيه إلا مسلك واحد في وسط الشرق من هذا الجزء جعل فيه الفضل بن يحيى سداً وبنى فيه باباً كسد يأجوج ومأجوج‏.‏ فإذا خرج نهر وخشاب من بلاد التبت واعترضه هذا الجبل فيمر تحتة في مدى بعيد إلى أن يمر في بلاد الوخش ويصب في نهر جيحون عند حدود بلخ ثم يمر هابطاً إلى الترمذ في الشمال إلى بلاد الجوزخان‏.‏ وفي الشرق عن بلاد الغور فيما بينها وبين نهر نهر جيحون بلاد الناسان من خراسان‏.‏ وفي العدوة الشرقية هنالك من النهر بلاد الختل وأكثرها جبال وبلاد الوخش ويحدها من جهة الشمال جبال البتم تخرج من طرف خراسان غربي نهر جيحون وتذهب مشرقة إلى أن يتصل طرفها بالجبل العظيم الذي خلفه بلاد التبت‏.‏ ويمر تحته نهر وخشاب كما قلناه فيتصل به عند باب الفضل بن يحيى‏.‏ ويمر نهر جيحون بين هذه الجبال وأنهاز أخرى تصب فيه منها نهر بلاد الوخش يصب فيه من الشرق تحت الترمذ إلى جهة الشمال ونهر بلخ يخرج من جبال البتم من مبدئه عند الجوزجان ويصب فيه من غربيه‏.‏ وعلى هذا النهر من غربيه بلاد آمد من خراسان‏.‏ وفي شرقي النص من هنالك أرض الصغد وأسروشنة من بلاد الترك وفي شرقها أرض فرغانة آخر الجزء شرقاً‏.‏ وكل بلاد الترك يحوزها جبال البتم إلى شمالها‏.‏ وفي الجزء التاسع من غربيه أرض التبت إلى وسط الجزء وفى جنوبيها بلاد الهند وفي شرقيها بلاد الصين إلى آخر الجزء‏.‏ وفي أسفل هذا الجزء شمالاً عن بلاد التبت الخزلجية من بلاد الترك إلى آخر الجزء شرقاً وشمالاً‏.‏ ويتصل بها من غربيها أرض فرغانة أيضاً إلى آخر الجزء شرقاً ومن شرقيها أرض التغرغر من الترك إلى آخر الجزء شرقاً وشمالاً‏.‏ وفي الجزء العاشر في الجنوب منه جميعاً بقية الصين وأسافله‏.‏ وفي الشمال بقية بلاد التغرغر‏.‏ ثم شرقاً عنهم بلاد خرخير من الترك أيضاً إلى آخر الجزء شرقاً‏.‏ وفي الشمال من أرض خرخير بلاد كتمان من الترك‏.‏ وقبالتها في البحر المحيط جزيرة الياقوت في وسط جبل مستدير لا منفذ منه إليها ولا مسلك والصعود إلى أعلاه من خارجه صعب في الغاية‏.‏ وفي الجزيرة حيات قتالة وحصى من الياقوت كثيرة فيحتال أهل الناحية في استخراجه بما يلهمهم الله إليه‏.‏ وأهل هذه البلاد في هذا الجزء والعاشر فيما وراء خراسان والجبال كلها مجالات للترك أمم لا تحصى وهم رحالة أهل إبل وشاة وبقر وخيل للنتاج والركوب والأكل وطوائفهم كثيرة لا يحصيهم إلا خالقهم وفيهم مسلمون مما يلي بلاد النهر نهر جيحون ويغزون الكفار منهم الدائنين بالمجوسية فيبيعون رقيقهم لمن يليهم ويخرجون إلى بلاد خراسان والهند والعراق‏.‏ الإقليم الرابع يتصل بالثالث من جهة الشمال والجزء الأول منه في غربيه قطعة من البحر المحيط مستطيلة من أوله جنوباً إلى آخره شمالاً وعليها في الجنوب مدينة طنجة ومن هذه القطعة تحت طنجة من البحر المحيط إلى البحر الرومي في خليج متضايق بمقدار اثني عشر ميلاً ما بين طريف والجزيرة الخضراء شمالاً وقصر المجاز وسبتة جنوباً ويذهب مشرقاً إلى إن ينتهي إلى وسط الجزء الخامس من هذا الأقليم وينفسح في ذهابه بتدريج إلى أن يغمر الأربعة أجزاء وأكثر الخامس ويغمر عن جانبيه طرفاً من الأقليم الثالث والخامس كما سنذكره‏.‏ ويسمى هذا البحر البحر الشامي أيضاً‏.‏ وفيه جزائر كثيرة أعظمها في جهة الغرب يابسة ثم مايرقة ثم منرقة ثم سردانية ثم صقلية وهي أعظمها ثم بلونس ثم أقريطش ثم قبرص كما نذكرها كلها في أجزائها التي وقعت فيها‏.‏ ويخرج من هذا البحر الرومي عند آخر الجزء الثالث منه وفي الجزء الثالث من الإقليم الخامس خليج البنادقة يذهب إلى ناحية الشمال ثم ينعطف عند وسط الجزء من جوفيه ويمر مغرباً إلى أن ينتهي في الجزء الثاني من الخامس‏.‏ ويخرج منه أيضاً في آخر الجزء الرابع شرقاً من الإقليم الخامس خليج القسطنطنية يمر في الشمال متضايقاً في عرض رمية السهم إلى آخر الإقليم‏.‏ ثم يفضي إلى الجزء الرابع من الإقليم السادس وينعطف إلى بحر نيطش ذاهباً إلى الشرق في الجزء الخامس كله ويصف السادس من الإقليم السادس كما نذكر ذلك في أماكنه‏.‏ وعندما يخرج هذا البحر الرومي من البحر المحيط في خليج طنجة وينفسح إلى الإقليم الثالث يبقى في الجنوب عن الخليج قطعة صغيرة من هذا الجزء فيها مدينة طنجة على مجمع البحرين وبعدها مدينة سبتة على البحر الرومي ثم قطاون ثم باديس‏.‏ ثم يغمر هذا البحر بقية هذا الجزء شرقاً ويخرج إلى الثالث‏.‏ وأكثر العمارة في هذا الجزء في شماله وشمال الخليج منه وهي كلها بلاد الأندلس الغربية ومنها ما بين البحر المحيط والبحر الرومي أولها طريف عند مجمع البحرين وفي الشرق منها على ساحل البحر الرومي الجزيرة الخضراء ثم مالقة ثم المنكب ثم المربة‏.‏ وتحت هذه من لدن البحر المحيط غرباً وعلى مقربة منه شريش ثم لبلة وقبالتها فيه جزيرة قادس وفي الشرق عن شريش ولبلة أشبيلية ثم استجة وقرطبة ومديلة ثم غرناطة وجيان وأبدة ثم وادياش وبسطة وتحت هذه شنتمرية وشلب على البحر المحيط غرباً وفي الشرق عنهما بطليوس وماردة ويابرة ثم غافق وبزجالة ثم قلعة رياح وتحت هذه أشبونة على البحر المحيط غرباً وعلى نهر باجة وفي الشرق عنها شنترين وموزية على النهر المذكور ثم قنطرة السيف‏.‏ ويسامت أشبونة من جهة الشرق جبل الشارات يبدأ من المغرب هنالك ويذهب مشرقاً مع آخر الجزء من شماليه فيتتهي إلى مدينة سالم فيما بعد النصف منه‏.‏ وتحت هذا الجبل طلبيرة في الشرق من فورنة ثم طليطلة ثم وادي الحجارة ثم مدينة سالم‏.‏ وعند أول هذا الجبل فيما بينه عيبن أشبونة بلد قلمرية وهذه غربي الأندلس‏.‏ وأما شرقي الأندلس فعلى ساحل البحر الرومي منها بعد المرية قرطاجنة ثم لفتة ثم دانية ثم بلنسية إلى طرطوشة آخر الجزء في الشرق وتحتها شمالاً ليورقة وشقورة تتاخمان بسطة وقلعة رياح من غرب الأندلس‏.‏ ثم مرسية شرقاً ثم شاطبة تحت بلنسية شمالاً ثم شقر ثم طرطوشة ثم طركونة آخر الجزء‏.‏ ثم تحت هذه شمالاً أرض منجالة وريدة متاخمان لشقورة وطليطلة من الغرب ثم أفراغة شرقاً تحت طرطوشة وشمالاً عنها‏.‏ ثم في الشرق عن مدينة سالم قلعة أيوب ثم سرقسطة ثم لاردة آخر الجزء شرقاً وشمالاً‏.‏ والجزء الثاني من هذا الإقليم غمر الماء جميعه إلا قطعة من غربيه في الشمال فيها بقعة جبل البرنات ومعناه جبل الثنايا‏.‏ والسالك يخرج إليه من آخر الجزء الأول من الإقليم الخامس يبدأ من الطرف المنتهي من البحر المحيط عند آخر ذلك الجزء جنوباً وشرقاً ويمر في الجنوب بانحراف إلى الشرق فيخرج في هذا الإقليبم الرابع منحرفاً عن الجزء الأول منه إلى هذا الجزء الثاني فيقع فيه قطعة منه تفضي ثناياها إلى البر المتصل وتسمى أرض غشكونية وفيه مدينة خريدة وقرقشونة‏.‏ وعلى ساحل البحر الرومي من هذه القطعة مدينة برشلونة ثم أربونة‏.‏ وفي هذا البحر الذي غمر الجزء جزائر كثيرة والكثير منها غير مسكون لصغرها‏.‏ ففي غربيه جزيرة سردانية وفي شرقيه جزيرة صقلية متسعة الأقطار يقال إن دورها سبعمائة ميل وبها مدن كثيرة مشاهيرها سرقوسة وبلرم وطرابغة ومازر ومسيني وهذه الجزيرة تقابل أرض إفريقية وفيما بينهما جزيرة أعدوش ومالطة‏.‏ والجزء الثالث من هذا الإقليم مغمور أيضاً بالبحر إلا ثلاث قطع من ناحية الشمال الغربية منها أرض قلورية والوسطى من أرض أبكيردة والشرقية من بلاد البنادقة‏.‏ والجزء الرابع من هذا الإقليم مغمور أيضاً بالبحر كما مر وجزائره كثيرة وأكثرها غير مسكون كما في الثالث‏.‏ والمعمور منها جزيرة بلونس في الناحية الغربية الشمالية وجزيرة أقريطش مستطيلة من وسط الجزء إلى ما بين الجنوب والشرق منه‏.‏ والجزء الخامس من هذا الإقليم غمر البحر منه مثلثة كبيرة بين الجنوب والغرب ينتهي الضلع الغربي منها إلى آخر الجزء في الشمال وينتهي الضلع الجنوبي منها إلى نحو الثلثين من الجزء ويبقى في الجانب الشرقي من الجزء قطعة نحو الثلث يمر الشمالي منها إلى الغرب منعطفاً مع البحر كما قلناه‏.‏ وفي النصف الجنوبي منها أسافل الشام ويمر في وسطها جبل اللكام إلى أن ينتهي إلى آخر الشام في الشمال فينعطف من هنالك ذاهباً إلى القطر الشرقي الشمالي ويسمى بعد انعطافه جبل السلسلة ومن هنالك يخرج إلى الإقليم الخامس‏.‏ ويجوز من عند منعطفه قطعة من بلاد الجزيرة إلى جهة الشرق‏.‏ ويقوم من عند منعطفه من جهة المغرب جبال متصلة بعضها ببعض إلى أن ينتهي إلى طرف خارج من البحر الرومي متآخر إلى آخر الجزء من الشمال‏.‏ وبين هذه الجبال ثنايا تسمى الدروب وهي التي تفضي إلى بلاد الأرمن وفي هذا الجزء قطعة منها بين هذه الجبال وبين جبل السلسلة‏.‏ فأما الجهة الجنوبية التي قدمنا أن فيها أسافل الشام وأن جبل اللكام معترض فيها بين البحر الرومي وآخر الجزء من الجنوب إلى الشمال فعلى ساحل البحر منه بلد أنطرطوس في أول الجزء من الجنوب متاخمة لغزة وطرابلس على ساحله من الإقليم الثالث وفي شمال أنطرطوس جبلة ثم اللاذقية ثم اسكندرونة ثم سلوقية وبعدها شمالاً بلاد الروم‏.‏ وأما جبل اللكام المعترض بين البحر وآخر الجزء بحافاته فيصاقبه من بلاد الشام من أعلى الجزء جنوباً من غربيه حصن الحواني وهو للحشيشة الإسماعيلية ويعرفون لهذا العهد بالفداوية ويسمى الحصن مصياف وهو قبالة أنطرطوس‏.‏ وقبالة هذا الحصن في شرق الجبل بلد سلمية في الشمال عن حمص‏.‏ وفي الشمال عن مصياف بين الجبل والبحر بلد أنطاكية‏.‏ ويقابلها في شرق الجبل المعرة وفي شرقها المراغة وفي شمال أنطاكية المصيصة ثم أذنة ثم طرسوس آخر الشام‏.‏ ويحاذيها من غرب الجبل قنسرين ثم عين زربة‏.‏ وقبالة قنسرين في شرق الجبل حلب‏.‏ ويقابل عين زربة منبج آخر الشام‏.‏ وأما الدروب فعن يمييها ما بينها وبين البحر الرومي بلاد الروم التي هي لهذا العهد للتركمان وسلطانها ابن عثمان‏.‏ وفي ساحل البحر منها بلد أنطاكية والعلايا‏.‏ وأما بلاد الأرمن التي بين جبل الدروب وجبل السلمية ففيها بلد مرعش وملطية والمعرة إلى آخر الجزء الشمالي‏.‏ ويخرج من الجزء الخامس في بلاد الأرمن نهر جيحان ونهر سيحان في شرقيه فيمر بها جيحان جنوباً حتى يتجاوز الدروب ثم يمر بطرسوس ثم بالمصيصة ثم ينعطف هابطاً إلى الشمال ومغرباً حتى يصب في البحر الرومي جنوب سلوقية‏.‏ ويمر نهر سيحان موازياً لنهر جيحان فيحاذي المعرة ومرعش ويتجاوز جبال الدروب إلى أرض الشام ثم يمر بعين زربة ويجوز عن نهر جيحان ثم ينعطف إلى الشمال مغرباً فيختلط بنهر جيحان عند المصيصة ومن غربها‏.‏ وأما بلاد الجزيرة التي يحيط بها منعطف جبل اللكام إلى جبل السلسلة ففي جنوبها بلد الرافضة والرقة ثم حران ثم سروج والرها ثم نصيبين ثم سمياط وآمد تحت جبل السلسلة‏.‏ و آخر الجزء من شماله وهو أيضاً آخر الجزء من شرقيه ويمر في وسط هذه القطعة نهر الفرات ونهر دجلة يخرجان من الإقليم الخامس ويمران في بلاد الأرمن جنوباً إلى أن يتجاوزا جبل السلسلة فيمر نهر الفرات من غربي سمياط وسروج وينحرف إلى الشرق فيمر بقرب الرافضة والرقة ويخرج إلى الجزء السادس‏.‏ ويمر دجلة في شرق آمد وينعطف قريباً إلى الشرق فيخرج قريباً إلى الجزء السادس‏.‏ وفي الجزء السادس من هذا الإقليم من غربيه بلاد الجزيرة وفي الشرق منها بلاد العراق متصلة بها تنتهي في الشرق إلى قرب آخر الجزء ويعترض من آخر العراق هنالك جبل أصبهان هابطاً من جنوب الجزء منحرفاً إلى الغرب فإذا انتهى إلى وسط الجزء من آخره في الشمال يذهب مغرباً إلى أن يخرج من الجزء السادس ويتصل على سمته بجبل السلسلة في الجزء الخامس فينقطع هذا الجزء السادس بقطعتين غربية وشرقية ففي الغربية من جنوبيها مخرج الفرات من الخامس وفي شماليها مخرج دجلة منه‏.‏ أما الفرات فأول ما يخرج إلى السادس يمر بقرقيسيا ويخرج من هنالك جدول إلى الشمال ينساب في أرض الجزيرة ويغوص في نواحيها ويمر من قرقيسيا غير بعيد ثئم ينعطف إلى الجنوب فيمر بقرب الخابور إلى غرب الرحبة ويخرج منه جداول من هنالك يمر جنوباً ويبقى صفين في غربيه‏.‏ ثم ينعطف شرقاً وينقسم بشعوب فيمر بعضها بالكوفة وبعضها بقصر ابن هبيرة وبالجامعين وتخرج جميعاً في جنوب الجزء إلى الإقليبم الثالث فيغوص هنالك في شرق الحيرة والقادسية‏.‏ ويخرج الفرات من الرحبة مشرقاً على سمته إلى هيت من شمالها يمر إلى الزاب والأنبار من جنوبهما ثئم يصب في دجلة عند بغداد‏.‏ وأما نهردجلة فإذا دخل من الجزء الخامس إلى هذا الجزء يمر مشرقاً على سمته ومحاذياً لجبل السلسلة المتصل بجبل العراق على سمته فيمر بجزيرة ابن عمر على شمالها ثم بالموصل كذلك وتكريت وينتهي إلى الحديثة فينعطف جنوباً وتبقى الحديثة في شرقه والزاب الكبير والصغير كذلك ويمر على سمته جنوباً وفي غرب القادسية إلى أن ينتهي إلى بغداد ويختلط بالفرات ثم يمر جنوباً على غرب جرجرايا إلى أن يخرج من الجزء إلى الأقليم الثالث فتنتشر هنالك شعوبه وجداوله ثم يجتمع ويصب هنالك في بحر فارس عند عبادان‏.‏ وفيما بين نهر الدجلة والفرات قبل مجمعهما ببغداد هي بلاد الجزيرة‏.‏ ويختلط بنهر دجلة بعد مفارقته ببغداد نهر آخر يأتي من الجهة الشرقية الشمالية منه وينتهي إلى بلاد النهروان قبالة بغداد شرقاً ثم ينعطف جنوباً ويختلط بدجلة قبل خروجه إلى الإقليم الثالث‏.‏ ويبقى ما بين هذا النهر وبين جبل العراق والأعاجم بلاد جلولاء وفي شرقها عند الجبل بلد حلوان وصيمرة‏.‏ وأما القطعة الغربية من الجزء فيعترضها جبل يبدأ من جبل الأعاجم مشرقاً إلى آخر الجزء ويسمى جبل شهرزور ويقسمها بقطعتين‏.‏ وفي الجنوب من هذه القطعة الصغرى بلد خونجان في الغرب والشمال عن أصبهان وتسمى هذه القطعة بلد الهلوس وفي وسطها بلد نهاوند وفي شمالها بلد شهرزور غرباً عند ملتقى الجبلين والدينور شرقاً عند آخر الجزء‏.‏ وفي القطعة الصغرى الثانية طرف من بلاد أرمينية قاعدتها المراغة والذي يقابلها من جبل العراق يسمى باريا وهو مساكن للأكراد والزاب الكبير والصغير الذي على دجلة من ورائه‏.‏ وفي آخر هذه القطعة من جهة الشرق بلاد أذربيجان ومنها تبريز والبندقان‏.‏ وفي الزاوية الشرقية الشمالية من هذا الجزء قطعة من بحر نيطش وهو بحر الخزر‏.‏ وفي الجزء السابع من هذا الإقليم من غربه وجنوبه معظم بلاد الهلوس وفيها همذان وقزوين وبقيتها في الإقليم الثالث وفيها هنالك أصبهان ويحيط بها من الجنوب جبل يخرج من غربها ويمر بالإقليم الثالث ثم ينعطف من الجزء السادس إلى الإقليم الرابع ويتصل بجبل العراق في شرقيه الذي مر ذكره هنالك وأنه محيط ببلاد الهلوس في القطعة الشرقية‏.‏ ويهبط هذا الجبل المحيط بأصبهان من الإقليم الثالث إلى جهة الشمال ويخرج إلى هذا الجزء السابع فيحيط ببلاد الهلوس من شرقها وتحته هنالك قاشان ثم قم وينعطف في قرب النصف من طريقه مغرباً بعض الشيء ثم يرجع مستديراً فيذهب مشرقاً ومنحرفاً إلى الشمال حتى يخرج إلى الإقليم الخامس ويشتمل على منعطفه واستدارته على بلد الري في شرقيه ويبدأ من منعطفه جبل آخر يمر غرباً إلى آخر الجزء ومن جنوبه من هنالك قزوين ومن جانبه الشمالي وجانب جبل الري المتصل معه ذاهباً إلى الشرق والشمال إلى وسط الجزء ثم إلى الإقليم الخامس بلاد طبرستان فيما بين هذه الجبال وبين قطعة من بحر طبرستان‏.‏ ويدخل من الإقليم الخامس في هذا الجزء في نحو النصف من غربه إلى شرقه ويعترض عند جبل الري‏.‏ وعند انعطافه إلى الغرب جبل متصل يمر على سمته مشرقاً وبانحراف قليل الجنوب حتى يدخل في الجزء الثامن من غربه‏.‏ ويبقى بين جبل الري وهذا الجبل من عند مبدئهما بلاد جرجان فيما بين الجبلين ومنها بسطام‏.‏ ووراء هذا الجبل قتطعة من هذا الجزء فيها بقية المفازة التي بين فارس وخراسان وهي في شرقي قاشان وفي آخرها عند الجبل بلد استراباذ‏.‏ وحافات هذا الجبل من شرقيه إلى آخر الجزء بلاد نيسابور من خراسان‏.‏ ففي جنوب الجبل وشرق المفازة بلد نيسابور ثم مرو الشاهجان آخر الجزء‏.‏ وفي شماله وشرقي جرجان بلد مهرجان وخازرون وطوس آخر الجزء شرقاً‏.‏ وكل هذه تحت الجبل‏.‏ وفي الشمال وفي الجزء الثامن من هذا الإقليم وفي غربيه نهر جيحون ذاهباً من الجنوب إلى الشمال‏.‏ ففي عدوته الغربية رم وآمل من بلاد خراسان والظاهرية والجرجانية من بلاد خوارزم‏.‏ ويحيط بالزاوية الغربية الجنوبية منه جبل استراباذ المعترض في الجزء السابع قبله ويخرج في هذا الجزء من غربيه ويحيط بهذه الزاوية وفيها بقية بلاد هراة ويمر الجبل في الإقليم الثالث بين هراة والجوزجان حتى يتصل بجبل البتم كما ذكرناه هنالك‏.‏ وفي شرقي نهر جيحون من هذا الجزء وفي الجنوب منه بلاد بخارى ثم بلاد الصغد وقاعدتها سمرقند ثم بلاد أسروشنة ومنها خجندة آخر الجزء شرقاً‏.‏ وفي الشمال عن سمرقند وأشروسنة أرض إيلاق‏.‏ ثم في الشمال عن إيلاق أرض الشاش إلى آخر الجزء شرقاً ويأخذ قطعة من الجزء التاسع في جنوب تلك القطعة بقية أرض فرغانة ويخرج من تلك القطعة التي في الجزء التاسع نهر الشاش يمر معترضاً في الجزء الثامن إلى أن ينصب في نهر جيحون عند مخرجه من هذا الجزء الثامن في شماله إلى الإقليم الخامس‏.‏ ويختلط معه في أرض إيلاق نهر يأتي من الجزء التاسع من الإقليم الثالث من تخوم بلاد التبت ويختلط معه قبل مخرجه من الجزء التاسع نهر فرغانة‏.‏ وعلى سمت نهر الشاش جبل جبراغون يبدأ من الإقليم الخامس وينعطف شرقاً ومنحرفاً إلى الجنوب حتى يخرج إلى الجزء التاسع محيطاً بأرض الشاش ثم ينعطف في الجزء التاسع فيحيط بالشاش وفرغانة هناك إلى جنوبه فيدخل في الإقليم الثالث‏.‏ وبين نهر الشاش وطرف هذا الجبل في وسط هذا الجزء بلاد فاراب‏.‏ وبينه وبين أرض بخارى وخوارزم مفاوز معطلة‏.‏ وفي زاوية هذا الجزء من الشمال والشرق أرض خجندة وفيها بلد إسبيجاب وطراز‏.‏ وفي الجزء التاسع من هذا الإقليم في غربيه بعد أرض فرغانة والشاش أرض الخزلجية في الجنوب وأرض الخليجية في الشمال‏.‏ وفي شرق الجزء كله أرض الكيماكية‏.‏ ويتصل في الجزء العاشر كله إلى جبل قوقيا آخر الجزء شرقاً وعلى قطعة من البحر المحيط هنالك وهو جبل يأجوج ومأجوج‏.‏ وهذه الأمم كلها من شعوب الترك انتهى‏.‏

الإقليم الخامس الجزء الأول منه أكثره مغمور بالماء إلا قليلاً من جنوبه وشرقه لأن البحر المحيط بهذه الجهة الغربية دخل في الإقليم الخامس والسادس والسابع عن الدائرة المحيطة بالإقليم‏.‏ فأما المنكشف من جنوبه فقطعة على شكل مثلث متصلة من هنالك بالأندلس وعليها بقيتها‏.‏ ويحيط بها البحر من جهتين كأنهما ضلعان محيطان بزاوية المثلث ففيها من بقية غرب الأندلس سعيور على البحر عند أول الجزء من الجنوب والغرب وسلمنكة شرقاً عنها وفي جوفها سمورة‏.‏ وفي الشرق عن سلمنكة آبلة آخر الجنوب وأرض قشتالة شرقاً عنها وفيها مدينة شقونية‏.‏ وفي شمالها أرض ليون وبرغشت ثم وراءها في الشمال أرض جليقية إلى زاوية القطعة‏.‏ وفيها على البحر المحيط في آخر الضلع الغربي بلد سنتياقو ومعناه يعقوب‏.‏ وفيها من شرق بلاد الأندلس مدينة شطلية عند آخر الجزء في الجنوب وشرقاً عن قشتالة‏.‏ وفي شمالها وشرقها وشقة وينبلونة على سمتها شرقاً وشمالاً‏.‏ وفي غرب ينبلونة قشتالة ثم ناجزة فيما بينها وبين برغشت‏.‏ ويعترض وسط هذه القطعة جبل عظيم محاذ للبحر وللضلع الشمالي الشرقي منه وعلى قرب ويتصل به وبطرف البحر عند ينبلونة في جهة الشرق الذي ذكرنا من قبل أن يتصل في الجنوب بالبحر الرومي في الإقليم الرابع ويصير حجراً على بلاد الأندلس من جهة الشرق وثناياه لها أبواب تفضي إلى بلاد غشكونية من أمم الفرنج‏.‏ فمنها من الإقليم الرابع برشلونة وأربونة على ساحل البحر الرومي وخريدة وقرقشونة وراءهما في الشمال‏.‏ ومنها من الإقليم الخامس طلوشة شمالاً عن خريدة‏.‏ وأما المنكشف في هذا الجزء من جهة الشرق فقطعة على شكل مثلث مستطيل زاويته الحادة وراء البرنات شرقاً‏.‏ وفيها على البحر المحيط على رأس القطعة التي يتصل بها جبل البرنات بلد نيونة‏.‏ وفي آخر هذه القطعة في الناحية الشرقية الشمالية من الجزء أرض بنطو من الفرنج إلى آخر الجزء‏.‏ وفي الجزء الثاني في الناحية الغربية منه أرض غشكونية وفي شمالها أرض بنطو وبرغشت وقد ذكرناهما‏.‏ وفي شرق بلاد غشكونية في شمالها قطعة أرض من البحر الرومي دخلت في هذا الجزء كالضرس مائلة إلى الشرق قليلاً وصارت بلاد غشكونية في غربها داخلة في جون من البحر‏.‏ وعلى رأس هذه القطعة شمالاً بلاد جنوة وعلى سمتها في الشمال جبل نيت جون‏.‏ وفي شماله وعلى سمته أرض برغونة‏.‏ وفي الشرق عن طرف جنوة الخارج من البحرالرومي طرف آخر خارج منه يبقى بينهما جون داخل من البر في البحر في غربيه نيس وفي شرقيه مدينة رومة العظمى كرسي ملك الإفرنجة ومسكن البابا بطركهم الأعظم‏.‏ وفيها من المباني الضخمة والهياكل الهائلة والكنائس العادية ما هو معروف الأخبار‏.‏ ومن عجائبها النهر الجاري في وسطها من المشرق إلى المغرب مفروشاً قاعه ببلاط النحاس وفيها كنيسة بطرس وبولس من الحواريين وهما مدفونان بها‏.‏ وفي الشمال عن بلاد رومة بلاد أقرنصيصة إلى آخر الجزء‏.‏ وعلى هذا الطرف من البحر الذي في جنوبه رومة بلاد نابل في الجانب الشرقي منه متصلة ببلد قلورية من بلاد الفرنج‏.‏ وفي شمالها طرف من خليج البنادقة دخل في هذا الجزء من الجزء الثالث مغرباً ومحاذياً للشمال من هذا الجزء وانتهى إلى نحو الثلث منه وعليه كثير من بلاد البنادقة دخل في هذا الجزء من جنوبه فيما بينه وبين البحر المحيط‏.‏ وفي شماله بلاد أنكلاية في الإقليم السادس‏.‏ وفي الجزء الثالث من هذا الإقليم في غربيه بلاد قلورية بين خليج البنادقة والبحر الرومي يحيط بها من شرقيه يوصل من برها في الإقليم الرابع في البحر الرومي في جون بين طرفين خرجا من البحر على سمت الشمال إلى هذا الجزء‏.‏ وفي شرقي بلاد قلورية بلاد أنكيردة في جون بين خليج البنادقة والبحر الرومي ويدخل طرف من هذا الجزء في الجون في الإقليم الرابع وفي البحر الرومي‏.‏ ويحيط به في شرقيه خليج البنادقة من البحر الرومي ذاهباً إلى سمت الشمال ثم ينعطف إلى الغرب محاذياً لآخر الجزء الشمالي‏.‏ ويخرج على سمته من الإقليم الرابع جبل عظيم يوازيه ويذهب معه في الشمال ثصم يغرب معه في الإقليم السادس إلى أن ينتهي قبالة خليج في شماليه في بلاد أنكلاية من أمم اللمانيين كما نذكر‏.‏ وعلى هذا الخليج وبينه وبين هذا الجبل ما داما ذاهبين إلى الشمال بلاد البنادقة فإذا ذهبا إلى المغرب فبينهما بلاد حروايا ثم بلاد الألمانيين عند طرف الخليج‏.‏ وفي الجزء الرابع من هذا الإقليم قطعة من البحر الرومي خرجت إليه من الإقليم الرابع مضرسة كلها بقطع من البحر‏.‏ ويخرج منها إلى الشمال وبين كل ضرسين منها طرف من البحر في الجون بينهما وفي آخر الجزء شرقاً قطع من البحر‏.‏ ويخرج منها إلى الشمال خليج القسطنطينية يخرج من هذا الطرف الجنوبي ويذهب على سمت الشمال إلى أن يدخل في الإقليم السادس وينعطف من هنالك عن قرب مشرقاً إلى بحر نيطش في الجزء الخامس وبعض الرابع قبله والسادس بعده من الإقليم السادس كما نذكر‏.‏ وبلد القسطنطينية في شرقي هذا الخليج عند آخر الجزء من الشمال‏.‏ وهي المدينة العظيمة التي كانت كرسي القياصرة وبها من آثار البناء والضخامة ما كثرت عنه الأحاديث‏.‏ والقطعة التي ما بين البحر الرومي وخليج القسطنطينية من هذا الجزء وفيها بلاد مقدونية التي كانت لليونانيين ومنها ابتداء ملكهم‏.‏ وفي شرقي هذا الخليج إلى آخر الجزء قطعة من أرض باطوس وأظنها لهذا العهد مجالات للتركمان وبها ملك ابن غثمان وقاعدته بها بورصة وكانت من قبلهم للروم وغلبهم عليها الأمم إلى أن صارت للتركمان‏.‏ وفي الجزء الخامس من هذا الإقليم من غربيه وجنوبه أرض باطوس وفي الشمال عنها إلى آخر الجزء بلاد عمورية وفي شرقي عمورية نهر قباقب الذي يمد الفرات يخرج من جبل هنالك ويذهب في الجنوب حتى يخالط الفرات قبل وصوله من هذا الجزء الثاني إلى ممره في الإقليم الرابع‏.‏ وهنالك في غربيه آخر الجزء في مبدإ نهر سيحان ثم نهر جيحان غربيه الذاهبين على سمته وقد مر ذكرهما‏.‏ وفي شرقه هنالك مبدأ نهر الدجلة الذاهب على سمته وفي موازاته حتى يخالطه عند بغداد‏.‏ وفي الزاوية التي بين الجنوب والشرق من هذا الجزء وراء الجبل الذي يبدأ منه نهر دجلة بلد ميافارقين‏.‏ ونهر قباقب الذي ذكرناه يقسم هذا الجزء بقطعتين‏:‏ إحداهما غربية جنوبية وفيها أرض باطوس كما قلناه وأسافلها إلى آخر الجزء شمالاً ووراء الجبل الذي يبدأ منه نهر قباقب أرض عمورية كما قلناه والقطعة الثانية شرقية شمالية على الثلث في الجنوب منها مبدأ الدجلة والفرات وفي الشمال بلاد البيلقان متصلة بأرض عمورية من وراء جبل قباقب وهي عريضة وفي آخرها عند مبدإ الفرات بلد خرشنة‏.‏ وفي الزاوية الشرقية الشمالية قطعة من بحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطييية‏.‏ وفي الجزء السادس من هذا الإقليم في جنوبه وغربه بلاد أرمييية متصلة إلى أن يتجاوز وسط الجزء إلى جانب الشرق‏.‏ وفيها بلد أردن في الجنوب والغرب وفي شمالها تفليس ودبيل‏.‏ وفي شرق أردن مدينة خلاط ثم بردعة وفي جنوبها بانحراف إلى الشرق مدينة أرمينية‏.‏ ومن هنالك مخرج بلاد أرمينية إلى الإقليم الرابع‏.‏ وفيها هنالك بلد المراغة في شرقي جبل الأكراد المسمى بأرمى وقد مر ذكره في الجزء السادس منه‏.‏ ويتاخم بلاد أرمينية في هذا الجزء وفي الإقليم الرابع قبله من جهة الشرق فيها بلاد أذربيجان وآخرها في هذا الجزء شرقاً بلاد أردبيل على قطعة من بحر طبرستان دخلت في الناحية الشرقية من الجزء السابع ويسمى بحر طبرستان‏.‏ وعليه من شماله في هذا الجزء قطعة من بلاد الخزر وهم التركمان‏.‏ ويبدأ من عند آخر هذه القطعة البحرية في الشمال جبال يتصل بعضها ببعض على سمت الغرب إلى الجزء الخامس فتمر فيه منعطفة ومحيطة ببلد ميافارقين‏.‏ ويخرج إلى الإقليم الرابع عند آمد ويتصل بجبل السلسلة في أسافل الشام ومن هنالك يتصل بجبل اللكام كما مر‏.‏ وبين هذه الجبال الشمالية في هذا الجزء ثنايا كالأبواب تفضي من الجانبين‏.‏ ففي جنوبيها بلاد الأبواب متصلة في الشرق إلى بحر طبرستان وعليه من هذه البلاد مدينة باب الأبواب‏.‏ وتتصل بلاد الأبواب في الغرب من ناحية جنوبيها ببلد أرمينية‏.‏ وبينهما في الشرق وبين بلاد أذربيجان الجنوبية بلاد الزاب متصلة إلى بحر طبرستان‏.‏ وفي شمال هذه الجبال قطعة من هذا الجزء في غربها مملكة السرير في الزاوية الغربية الشمالية منها‏.‏ وفي زاوية الجزء كله قطعة أيضاً من بحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطييية وقد مر ذكره‏.‏ ويحف بهذه القطعة من بحر نيطش بلاد السرير وعليها منها بلد أطرابزيدة وتتصل بلاد السرير بين جبل الأبواب والجهة الشمالية من الجزء إلى أن ينتهي شرقاً إلى جبل حاجز بينها وبين أرض الخزر‏.‏ وعند آخرها مدينة صول‏.‏ ووراء هذا الجبل الحاجز قطعة من أرض الخزر تنتهي إلى الزاوية الشرقية الشمالية من هذا الجزء من بحر طبرستان وآخر الجزء شمالاً‏.‏ والجزء السابع من هذا الإقليم غربيه كله مغمور ببحر طبرستان وخرج من جنوبه في الإقليم الرابع القطعة التي ذكرنا هنالك أن عليها بلاد طبرستان وجبال الديلم إلى قزوبن‏.‏ وفي غربي تلك القطعة متصلة بها القطعة التي في الجزء السادس من الإقليم الرابع‏.‏ ويتصل بها من شمالها القطعة التي في الجزء السادس من شرقيه أيضاً‏.‏ وينكشف من هذا الجزء قطعة عند زاويته الشمالية الغربية يصب فيها نهر أثل في هذا البحر‏.‏ ويبقى من هذا الجزء في ناحية الشرق قطعة منكشفة من البحر هي مجالات للغز من أمم الترك يحيط بها جبل من جهة الجنوب داخل في الجزء الثامن ويذهب في الغرب إلى ما دون وسطه فينعطف إلى الشمال إلى أن يلاقي بحر طبرستان فيحتف به ذاهباً معه إلى بقيته في الإقليم السادس ثم ينعطف مع طرفه ويفارقه ويسمى هنالك جبل سياه ويذهب مغرباً إلى الجزء السادس من الإقليم السادس ثم يرجع جنوباً إلى الجزء الساس من الإقليم الخامس‏.‏ وهذا الطرف منه هو الذي اعترض في هذا الجزء بين أرض السرير وأرض الخزر‏.‏ واتصلت بأرض الخزر في الجزء السادس والسابع حافات هذا الجبل المسمى جبل سياه كما سيأتي‏.‏ والجزء الثامن من هذا الإقليم الخامس كله مجالات للغز من أمم الترك وفي الجهة الجنوبية الغربية منه بحيرة خوارزم التي يصب فيها نهر جيحون دورها ثلاثمائة ميل ويصب فيها أنهار كثيرة من أرض هذه المجالات‏.‏ وفي الجهة الشمالية الشرقية منه بحيرة عرعون دورها أربعمائة ميل وماؤها حلو‏.‏ وفي الناحية الشمالية من هذا لجزء جبل مرغار ومعناه جبل الثلج لأنه لا يذوب فيه وهو متصل بآخر الجزء‏.‏ وفي الجنوب عن بحيرة عرعون جبل من الحجر الصلد لا ينبت شيئاً يسمى عرعون وبه سميت البحيرة‏.‏ وينجلب منه ومن جبل مرغار شمالي البحيرة أنهار لا وفي الجزء التاسع من هذا الإقليم بلاد أركس من أمم الترك في غرب بلاد الغز وشرق بلاد الكيماكية‏.‏ ويحف به من جهة الشرق آخر الجزء جبل قوقيا المحيط بيأجوج ومأجوج يعترض هنالك من الجنوب إلى الشمال حتى ينعطف أول دخوله من الجزء العاشر وقد كان دخل إليه من آخر الجزء العاشر من الإقليم الرابع قبله واحتف هنالك بالبحر المحيط إلى آخر الجزء في الشمال ثم انعطف مغرباً في الجزء العاشر من الإقليم الرابع إلى ما دون نصفه وأحاط من أوله إلى هنا ببلاد الكيماكية ثم خرج إلى الجزء العاشر من الإقليم الخامس فذهب فيه مغرباً إلى آخره وبقيت في جنوبيه من هذا الجزء قطعة مستطيلة إلى الغرب قبل آخر بلاد الكيماكية ثم خرج إلى الجزء التاسع في شرقيه وفي الأعلى منه وانعطف قريباً إلى الشمال وذهب على سمته إلى الجزء التاسع من الإقليم السادس‏.‏ وفيه السد هنالك كما نذكره‏.‏ وبقيت منه القطعة التي أحاط بها جبل قوقيا عند الزاوية الشرقية الشمالية من هذا الجزء مستطيلة إلى الجنوب وهي من بلاد يأجوج ومأجوج‏.‏ وفي الجزء العاشرمن هذ الإقليم أرض يأجوج ومأجوج متصلة فيه كله إلا قطعة من البحر المحيط غمرت طرفاً في شرقيه من جنوبه إلى شماله وإلا القطعة التي يفصلها إلى جهة الجنوب والغرب جبل قوقيا حين مر فيه وما سوى ذلك فأرض يأجوج ومأجوج‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ فالجزء الأول منه غمر البحر أكثر من نصفه واستدار شرقاً مع الناحية الشمالية ثم ذهب مع الناحية الشرقية إلى الجنوب وانتهى قريباً من الناحية الجنوبية فانكشفت قطعة من هذه الأرض في هذا الجزء داخلة بين الطرفين وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من البحر المحيط كالجون فيه وينفسح طولاً وعرضاً وهي كلها أرض بريطانية‏.‏ وفي بابها بين الطرفين وفي الزاوبة الجنوبية الشرقية من هذا الجزء بلاد صاقس متصلة ببلاد بنطو التي مر ذكرها في الجزء الأول والثاني من الإقليم الخامس‏.‏ والجزء الثاني من هذا الإقليم دخل البحر المحيط من غربه وشماله فمن غربه قطعة مستطيلة أكبر من نصفه الشمالي من شرق أرض بريطانية في الجزء الأول واتصلت بها القطعة الأخرى في الشمال من غربه إلى شرقه وانفسحت في النصف الغربي منه بعض الشيء وفيه هنالك قطعة من جزيرة إنكلترة وهي جزيرة عظيمة متسعة مشتملة على مدن وبها ملك ضخم وبقيتها في الإقليم السابع‏.‏ وفي جنوب هذه القطعة وجزيرتها في النصف الغربي من هذا الجزء بلاد أرمندية وبلاد أفلادش متصلين بها ثم بلاد إفرنسية جنوباً وغرباً من هذا الجزء وبلاد برغونية شرقاً عنها وكلها لأمم الأفرنجة وبلاد اللمانيين في النصف الشرقي من الجزء‏.‏ فجنوبه بلاد أنكلاية ثم بلاد برغونية شمالاً ثم أرض لهويكة وشطونية‏.‏ وعلى قطعة البحر المحيط في الزاوية وفي الجزء الثالث من هذا الإقليم في الناحية الغربية بلاد مراتية في الجنوب وبلاد شطونية في الشمال‏.‏ وفي الناحية الشرقية بلاد أنكوية في الجنوب وبلاد بلونية في الشمال يعترض بينهما جبل بلواط داخلاً من الجزء الرابع ويمر مغرباً بانحراف إلى الشمال أن يقف في بلاد شطونية آخر النصف الغربي‏.‏ وفي الجزء الرابع في ناحية الجنوب أرض جثولية‏.‏ وتحتها في الشمال بلاد الروسية‏.‏ وفصل جبل بلواط من أول الجزء غرباً إلى أن يقف في النصف الشرقي‏.‏ وفي شرق أرض جثولية بلاد جرمانية وفى الزاوية الجنوبية‏.‏ الشرقية أرض القسطنطينية ومدينتها عند آخر الخليج الخارج من البحر الرومي وعند مدفعه في بحر نيطش فيقع قطيعة من بحر نيطش في أعالي الناحية الشرقية من هذا الجزء ويمدها الخليج وبينهما في الزاوبة بلد مسيناه‏.‏ وفي الجزء الخامس من الإقليم السادس ثم في الناحية الجنوبية عند بحر نيطش يتصل من الخليج في آخرالجزء الرابع ويخرج على سمته مشرقاً فيمر في هذا الجزء كله وفي بعض السادس طى طول ألف وثلاثمائة ميل من مبدئه في عرض ستمائة ميل‏.‏ ويبقى وراء هذا البحر في الناحية الجنوبية من هذا الجزء في غربها إلى شرقها بر مستطيل في غربة هرقلية على ساحل بحر نيطش على متصلة بأرض البيلقان من الإقليم الخامس‏.‏ وفي شرقه بلاد اللانية وقاعدتها سوتلي على بحر نيطش‏.‏ وفي شمال بحر نيطش في هذا الجزء غرباً أرض ترخان وشرقاً بلاد الروسية وكلها على ساحل هذا البحر‏.‏ وبلاد الروسية محيطة ببلاد ترخان من شرقها في هذا الجزء من شمالها في الجزء الخامس من الإقليم السابع ومن غربها في الجزء الرابع من هذا الإقليم‏.‏ وفي الجزء السادس في غربيه بقية بحر نيطش وينحرف قليلاً إلى الشمال ويبقى بينه هنالك وبين آخر الجزء شمالاً بلاد قمانية وفي جنوبه منفسحاً إلى الشمال بما انحرف هو كذلك بقية بلاد اللانية التي كانت آخر جنوبه في الجزء الخامس‏.‏ وفي الشرقية من هذا الجزء متصل أرض الخزر‏.‏ وفي شرقها أرض برطاس وفي الزاوية الشرقية الشمالية أرض بلغار‏.‏ وفي الزاوية الشرقية الجنولية أرض بلجر يجوزها هناك قطعة من جبل سياه كوه المنعطف مع بحر الخزر في الجزء السابع بعده ويذهب بعد مفارقته مغرباً فيجوز في هذه القطعة ويدخل إلى الجزء السادس من الإقليم الخامس فيتصل هنالك بجبل الأبواب وعليه من هنالك ناحية بلاد الخزر‏.‏ وفي الجزء السابع من هذا الإقليم في الناحية الجنوبية ما جازه جبل سياه بعد مفارقته بحر طبرستان‏.‏ وهو قطعة من أرض الخزر إلى آخر الجزء غرباً‏.‏ وفي شرقها القطعة من بحر طبرستان التي يجوزها هذا الجبل من شرقها وشمالها‏.‏ ووراء جبل سياه في الناحية الغربية الشمالية أرض برطاس‏.‏ وفي الناجية الشرقية من الجزء أرض شحرب وفي الجزء الثامن والناحية الجنوبية منه كلها أرض الجولخ من الترك في الناحية الشمالية غرباً والأرض المنتنة وشرق الأرض التي يقال إن يأجوج ومأجوج خرباها قبل بناء السد‏.‏ وفي هذه الأرض المنتنة مبدأ نهر الأثل من أعظم أنهار العالم وممره في بلاد الترك ومصبه في بحر طبرستان في الإقليم الخامس في الجزء السابع منه‏.‏ وهو كثير الإنعطاف يخرج من جبل في الأرض المنتنة من ثلاثة ينابيع تجتمع في نهر واحد ويمر على سمت الغرب إلى آخر السابع من هذا الإقليم فينعطف شمالاً إلى الجزء السابع من الإقليم السابع فيمر في طرفه بين الجنوب والمغرب فيخرج في الجزء السادس من السابع ويذهب مغرباً غير بعيد ثم ينعطف ثانية إلى الجنوب ويرجع إلى الجزء السادس من الإقليم السادس ويخرج منه جدول يذهب مغرباً ويصب في بحر نيطش في ذلك الجزء ويمر هو في قطعة بين الشمال والشرق في بلاد بلغار فيخرج في الجزء السابع من الإقليم السادس ثم ينعطف ثالثة إلى الجنوب وينفذ في جبل سياه ويمر في بلاد الخزر ويخرخ إلى الإقليم الخامس في الجزء السابع منه فيصب هنالك في بحر طبرستان في القطعة التي انكشفت من الجزء عند الزاوية الغربية الجنوبية‏.‏ وفي الجزء التاسع من هذا الإقليم في الجانب الغربي منه بلاد خفشاخ من الترك وهم قفجاق وبلاد الشركس منهم أيضاً‏.‏ وفي الشرق منه بلاد يأجوج يفصل بينهما جبل قوقيا المحيط وقد مر ذكره يبدأ من البحر المحيط في شرق الإقليم الرابع ويذهب معه إلى آخر الإقليم في الشمال ويفارقه مغرباً وبانحراف إلى الشمال حتى يدخل في الجزء التاسع من الإقليم الخامس فيرجع إلى سمته الأول حتى يدخل في هذا الجزء التاسع من الإقليم من جنوبه إلى شماله بانحراف إلى المغرب وفي وسطه ههنا السد الذي بناه الأسكندر ثم يخرج على سمته إلى الإقليم السابع وفي الجزء التاسع منه فيمر فيه إلى الجنوب إلى أن يلقى البحر المحيط في شماله ثم ينعطف معه من هنالك مغرباً إلى الإقليم السابع إلى الجزء الخامس منه فيتصل هنالك بقطعة من البحر المحيط في غربيه‏.‏ وفي وسط هذا الجزء التاسع هو السد الذي بناه الأسكندر كما قلناه‏.‏ والصحيح من خبره في القرآن وقد ذكر عبد الله بن خرداذبه في كتابه في الجغرافيا أن الواثق رأى في منامه كأن السد انفتح فانتبه فزعاً وبعث سلاماً الترجمان فوقف عليه وجاء بخبره ووصفه في حكاية طويلة ليست من مقاصد كتابنا هذا‏.‏ وفي الجزء العاشر من هذا الإقليم بلاد مأجرج متصلة فيه إلى آخره على قطعة من هنالك من البحر المحيط أحاطت به من شرقه وشماله مستطيلة في الشمال وعريضة بعض الشيء في الشرق‏.‏ الإقليم السابع والبحر المحيط قد غمر عامته من جهة الشمال إلى وسط الجزء الخامس حيث يتصل بجبل قوقيا المحيط بيأجوج ومأجوج‏.‏ فالجزء الأول والثاني مغموران بالماء إلا ما انكشف من جزيرة إنكلترة التي معظمها في الثاني وفي الأول منها طرف انعطف بانحراف إلى الشمال وبقيتها مع قطعة من البحر مستديرة عليه في الجزء الثاني من الإقليم السادس وهي مذكورة هناك‏.‏ والمجاز منها إلى البر في هذه القطعة سعة اثني عشر ميلاً‏.‏ ووراء هذه الجزيرة في شمال الجزء الثاني جزيرة رسلاندة مستطيلة من الغرب إلى الشرق‏.‏ والجزء الثالث من هذا الإقليم مغمور أكثره بالبحر إلا قطعة مستطيلة في جنوبه وتتسع في شرقها وفيها هنالك متصل أرض فلونية التي مر ذكرها في الثالث من الإقليم السادس وأنها في شماله وفي القطعة من البحر التي تغمر هذا الجزء‏.‏ ثم في الجانب الغربي منها مستديرة فسيحة وتتصل بالبر من باب في جنوبها يفضي إلى بلاد فلونية‏.‏ وفي شمالها جزيرة بوقاعة مستطيلة مع الشمال من المغرب إلى المشرق‏.‏ والجزء الرابع من هذا الإقليم شماله كله مغمور بالبحر المحيط من المغرب إلى المشرق وجنوبه منكشف وفي غربه أرض قيمازك من الترك وفي شرقها بلاد طست ثم أرض رسلاندة إلى آخر الجزء شرقاً وهي دائمة الثلوج وعمرانها قليل - ويتصل ببلاد الروسية في الإقليم السادس وفي الجزء الرابع والخامس منه‏.‏ وفي الجزء الخامس من هذا الإقليم في الناحية الغربية منه بلاد الروسية وينتهي في الشمال إلى قطعة من البحر المحيط التي يتصل بها جبل قوقيا كما ذكرناه من قبل‏.‏ وفي الناحية الشرقية منه متصل أرض القمانية التي على قطعة بحر نيطش من الجزء السادس من الإقليم السادس وينتهي إلى بحيرة طرمى من هذا الجزء وهي عذبة تنجلب إليها أنهار كثيرة من الجبال عن الجنوب والشمال‏.‏ وفي شمال الناحية الشرقية من هذا الجزء أرض التتارية من التركمان إلى آخره‏.‏ وفي الجزء السادس من الناحية الغربية الجنوبية متصل بلاد القمانية وفي وسط الناحية بحيرة عثور عذبة تنجلب إليها الأنهار من الجبال في النواحي الشرقية وهي جامدة دائماً لشدة البرد إلا قليلاً في زمن الصيف‏.‏ وفي شرق بلاد القمانية بلاد الروسية‏.‏ التي كان مبدؤها في الإقليم السادس في الناحية الشرقية الشمالية من الجزء الخامس منه وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من هذا الجزء بقية أرض بلغار التي كان مبدؤها في الإقليم السادس‏.‏ وفي الناحية الشرقية الشمالية من الجزء السادس منه وفي وسط هذه القطعة من أرض بلغار منعطف نهر أثل القطعة الأولى إلى الجنوب كما مر‏.‏ وفي آخر هذا الجزء السادس من شماله جبل قوقيا متصلاً من غربه إلى شرقه‏.‏ وفي الجزء السابع من هذا الإقليم في غربه بقية أرض يخناك من أمم الترك‏.‏ وكان مبدؤها من الناحية الشمالية الشرقية من الجزء السادس قبله وفي الناحية الجنوبية الغربية من هذا الجزء‏.‏ ويخرج إلى الإقليم السادس من فوقه‏.‏ وفي الناحية الشرقية بقية أرض سحرب ثم بقية الأرض المنتنة إلى آخر الجزء شرقاً‏.‏ وفي آخر الجزء من جهة الشمال جبل قوقيا المحيط متصلاً من غربه إلى شرقه‏.‏ وفي الجزء الثامن من هذا الإقليم في الجنوبية الغربية منه متصل الأرض المنتنة‏.‏ وفي شرقها الأرض المحفورة وهي من العجائب‏:‏ خرق عظيم في الأرض بعيد المهوى فسيح الأقطار ممتنع الوصول إلى قعره يستدل على عمرانه بالدخان في النهار والنيران في الليل تضيء وتخفى‏.‏ وربما رئي فيها نهر يشقها من الجنوب إلى الشمال‏.‏ وفي الناحية الشرقية من هذا الجزء البلاد الخراب المتاخمة للسد‏.‏ وفي آخر الشمال منه جبل قوقيا متصلاً من الشرق إلى الغرب‏.‏ وفي الجزء التاسع من هذا الإقليم في الجانب الغربي منه بلاد خفشاخ وهم قفجق يجوزها جبل قوقيا حين ينعطف من شماله عند البحر المحيط ويذهب في وسطه إلى الجنوب بانحراف إلى الشرق فيخرج في الجزء التاسع من الإقليم السادس ويمر معترضاً فيه‏.‏ وفي وسطه هنالك سد يأجوج ومأجوج وقد ذكرناه‏.‏ وفي الناحية الشرقية من هذا الجزء أرض يأجوج وراء جبل قوقيا على البحر قليلة العرض مستطيلة أحاطت به من شرقه وشماله‏.‏ والجزء العاشر غمر البحر جميعه‏.‏ هذا آخر الكلام على الجغرافيا وأقاليمها السبعة ‏"‏ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ‏"‏‏.‏